وعند ما كان خالد القسريّ أميرا على مكّة ، خطب الناس يوم جمعة ، فذكر الحجّاج بن يوسف الثقفيّ ومدحه ، ولمّا سمع سليمان بن عبد الملك بذلك ، أمر خالد بشتم الحجّاج ، وأن يذكر عيوبه ومساوئه ، ثمّ البراء منه ، ولمّا جاءت الجمعة الثانية صعد خالد المنبر وقال : (إنّ إبليس كان ملكا ، وكان يظهر من طاعة الله ما كانت الملائكة ترى له بذلك فضلا ، وكان الله تعالى قد علم من غشّه ما خفي عن الملائكة ، فلمّا أراد الله فضيحته ، ابتلاه بالسجود لآدم ، فظهر لهم ما كان يخفيه عنهم ، فلعنوه ، وأنّ الحجّاج كان يظهر من طاعة أمير المؤمنين ما كنّا نرى له بذلك فضلا ، وكان الله عزوجل اطلع أمير المؤمنين من غلّه وخبثه على ما خفي عنّا ، فلمّا أراد الله فضيحته ، أجرى ذلك على يدي أمير المؤمنين فالعنوه ، لعنه الله) (١) ثمّ نزل.
وقيل إنّ الكميت هجا في بعض قصائده قبائل قحطان ، فغضب عليه خالد القسريّ وأراد أن ينتقم منه ، فاشترى عدّة جوار ، وقرأ عليهن قصائد الكميت المسمات ب (الهاشميات) ثمّ أرسل الجواري إلى هشام بن عبد الملك في الشام ، فلمّا سمع هشام تلك القصائد ، أمر بإحضار الكميت ، ولمّا جيء به ، أخذ الكميت يعتذر ويقول شعرا في مدح بني أميّة ، حتّى رضى عنه هشام. (٢) ودخل أعرابيّ على خالد القسريّ وقال له : امتدحتك ببيتين ، ولست أقولهما إلّا بعشرة آلاف وخادم. فقال له خالد : قل ما هما؟ فقال :
لزمت نعم ، حتّى كأنّك لم تكن |
|
سمعت (٣) من الأشياء سوى نعم |
وأنكرت لا ، حتّى كأنّك لم تكن |
|
سمعت بها سالف الدهر والأمم |
فأعطاه خالد ما أراد.
__________________
(١) الحصري ـ زهر الآداب. ج ٢ / ٦٣.
(٢) الذهبي ـ سيرة أعلام النبلاء. ج ٥ / ٤٢٥.
(٣) ابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق. ج ٧ / ٣٧٨.