وكان ولى بمكة تدريس الحديث للأشرف صاحب مصر ، وتصدير البشير الجمدار ، ودرس أيضا كثيرا احتسابا ، وانتفع به الناس فى ذلك بالحرمين ، وأفتى وحدث فيهما بالكثير من مروياته ، وسمع منه مشايخنا الحفاظ : أبو الفضل العراقى ، وابنه أبو زرعة ، وخرج له مشيخة ، وأبو الحسن الهيثمى ، وشيخنا القاضى جمال الدين بن ظهيرة ، ووالدى وغيرهم من أصحابنا وغيرهم ، وحضرت مجلس تحديثه بالحرم.
ووجدت بخط شيخنا ابن سكر ، سماعى عليه لشىء من آخر سنن النسائى ، رواية ابن السنى مع النشاورى وغيره ، بقراءة الشريف البنزرتى المقدم ذكره. وأجاز لى غير مرة ، منها لما عرضت عليه بعض محفوظاتى بمكة والمدينة ، وكان يتردد إليها ، وتزوج من أهلها.
وتوفى رحمهالله ، يوم الثلاثاء الثانى من شهر رجب سنة تسعين وسبعمائة ، ودفن بعد العصر بالمعلاة ، بقرب الفضيل بن عياض رضى الله عنه.
٧٢٦ ـ إبراهيم بن محمد بن على ، أبو النصر الفارسى الإسترابادى :
قدم إلى مكة فى سنة ست وستين وأربعمائة ، وصنع فيها ـ بمكة ـ وبظاهرها مآثر حسنة ، منها : أنه عمر المسجد الذى أحرمت منه عائشة رضى الله عنها بالتنعيم لما حجت ، وهو المسجد المعروف بمسجد الهليلجة ، بشجرة كانت فيه سقطت من سنين قريبة ، واسمه مكتوب بذلك فى حجر جدار المسجد الشامى. ونص المكتوب فى الحجر بعد البسملة : أمر بعمارة مسجد عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها ، بأمر منه ، الرئيس الأجل السيد فخر الرؤساء مغيث الحرمين ، أبو النصر إبراهيم بن محمد بن على ، عنه وعن أخيه الرئيس الأجل السيد ذى المحاسن أبى مسعود على بن محمد بن على ، تقبل الله عملهما وبلغهما فى الدارين أملهما وشكر سعيهما ، ولا قطع من الحرمين أثرهما ، وذلك فى رجب سنة ست وستين وأربعمائة. انتهى باختصار.
ومنها على ما ذكر صاحب المرآة نقلا عن محمد بن هلال الصابى : أن أبا النصر ورد إلى مكة سنة ست وستين وأربعمائة ، وصادف فى المسجد الحرام مواضع قد تهدمت ، فأطلق ثلاثين ألف دينار ، أنفق بعضها فيها. وأخذ الباقى الأمير محمد بن أبى هاشم ، وأجرى الماء من عرفات إلى مكة فى قنى كانت عملتها زبيدة ، ووجد البيت عريانا منذ سنين ، فكساه ثيابا بيضا من عمل الهند كانت معه كذلك. وفضض الميزاب ، وقال : لو
__________________
٧٢٦ ـ انظر ترجمته فى : (التحفة اللطيفة ١ / ٨٨).