وكان مقدمهم القاضى وجيه الدين عبد الرحمن بن القاضى نور الدين على بن يحيى ابن جميع ؛ لأنهم أتوا إلى جدة أيام الحرب المذكور ، فعدلوا عنها إلى ينبع.
ولما عادوا منها فى سنة تسع وتسعين وسبعمائة ، تعرض لهم السيد حسن ، لأخذ الجبا منهم ، فراضوه فى ذلك بعد أن أسقط عنهم الثلث منه ، وذبح بعض غلمانه رجلا يقال له محمد بن جمّاز ، ويعرف بابن أبى داعس ، من غلمان الأشراف ، لتحسينه لابن جميع المرور على جدّة. والذى حمله على ذلك ، أن نفسه لم تطب بأن يحصل لحسن نفع من التجار. وكان جماعة من التجار واصلين من اليمن لقصد ينبع. فلما سمعوا بذبح المذكور ، وبإسقاط حسن لثلث الجبا عمّن تقدم ، دخلوا إلى جدة ، وعنى حسن بحفظ الواصلين إليه من اليمن فى توجههم إلى مكة ، وفى عودهم منها إلى جدة ، فعادوا حامدين له ، ونال منهم نفعا جيدا تجمّل به حاله.
وما زال يزداد جمالا فى حاله ، وهيبته تعظم فى القلوب ؛ لأن صاحب مصر بعث إليه بخلعتين فى هذه السنة ، وذهب ، لشكره له على قتل أعدائه. ووصل ذلك إليه على طريق سواكن (١) ، لخوف قصّاده من صاحب ينبع. وكان وصول ذلك إليه فى آخر جمادى الآخرة من سنة تسع وتسعين وسبعمائة.
وفيها قبل ذلك فى ربيع الآخر ، غزا بعض بنى شعبة ، فأخذ منهم ثلاثمائة بعير وغير ذلك.
وفيها أخرج الأشراف من جدة ، وكانوا نزلوها فى شهر رجب بمعونة القواد والحميضات ، لغضبهم على حسن ، واستمالهم بالإحسان ، حتى ساعده على إخراجهم من جدة وتبعهم إلى عسفان ، فهربوا إلى خليص ، فتبعهم فهربوا أيضا ، فرجع عنهم وتوصلوا بغير حريم إلى الخيف ، فأجارهم بعض القواد إلى انقضاء السنة ، وسكنوا الخيف وما جسروا على فعل ما يخالف هواه ، إلى ذى القعدة من السنة المذكورة ، وفيها قصدوا نخلة ، وتكلموا مع أهلها فى أن يمكنوهم من إنزال أهلهم بنخلة.
وكان الذى حركهم على ذلك الطمع فى التجار الواصلين إلى جدة فى هذه السنة. وكان الواصل منهم كثيرا فى هذه السنة. وبلغ الشريف خبرهم ، فأشار إلى هذيل بأن لا يجيبوا الأشراف لقصدهم ، وأحسن لهذيل بشىء من المال ، والتزم للأشراف بخمسين ألف
__________________
(١) سواكن : مدينة بقرب جزيرة عيذاب. انظر : الروض المعطار ٣٣٢ ، تقويم البلدان ٣٧٠ ، نخبة الدهر ١٥١.