القدر ، نبيه الذكر ، فقيل : إن السلطان لما بلغه هذا الإرجاف حذر على نفسه وخاف ، وقصد أن يصرف التأويل إلى غيره لعله يسلم من شره ، وكان بدمشق رجل من أولاد الملوك الأيوبية يسمى الملك القاهر ، بهاء الدين عبد الملك من ولد الملك الناصر داود ابن الملك المعظم عيسى ابن السلطان الملك العادل أبي بكر ابن نجم الدين أيوب ، وكان يسكن البر ، وتزوج من العرب ، وأقام بينهم ، يسير معهم حيث ما ساروا ، وإذا غزوا غزا معهم ، فحضر من الغزاة إلى دمشق ، فأراد على ما قيل اغتياله ، فأحضروه في مجلس شرابه ، فأمر الساقي أن يسقيه كأس قمز كان ممزوجا فيما يقال بسم ، فسقاه الساقي ذلك الكأس ، فأحس منه بالبأس فخرج من المقام وعلقت به مخاليب الحمام ، وغلط الساقي لاصابة المقدور ، وملأ على إثره الكأس المذكور وأداره ، والدائرات تدور ، فوقع في نوبة السلطان ، فشربه ولم يشعر حتى أحس بالنيران ، فكتم أمره عن الأطباء ، وأخفى حاله عن الأحباء ، ومكث أياما يشكو الليل والنهار من توقد وهج النار ، ثم اضطر إلى إطلاع الطبيب بعد استحكام دائه ، طمعا في دوائه ، فلم ينجع العلاج ، ولا نهضت قدرة الإساءة لإصلاح المزاج.
وأما القاهر فإنه حمل إلى منزله وهو مغلوب ، فمات من ليلته ليلة السبت خامس عشر المحرم من هذه السنة.
وتمرض السلطان بعده أياما حتى كانت وفاته يوم الخميس بعد صلاة الظهر السابع والعشرين من المحرم بالقصر الأبلق ، فكان ذلك يوما عظيما على الأمراء.
وقال بيبرس في تاريخه : توفي في اليوم المذكور وقت الزوال ، وحضر نائب السلطنة عز الدين أيدمر وكبار الأمراء والدولة ، فصلوا عليه سرا ، وجعلوه في تابوت ، ورفعوه إلى القلعة في بيت من بيوت البحرية إلى أن نقل إلى تربته تجاه العادلية الكبيرة ليلة الجمعة خامس رجب من هذه السنة ، وكتم موته فلم يعلم جمهور الناس به حتى كان العشر الأخير من