تقلب على النيابة منذ هذا التاريخ وحتى سنة ٩٢٢ ه / ١٥١٦ م ، تاريخ سقوط بلاد الشام للحكم العثماني ، أكثر من مئة وسبعة وعشرين نائبا ، ثلاثة عشر منهم مرتين وواحد ثلاث مرات واثنان أربع مرات. فخلال مدة قرنين ونصف القرن عاشتها نيابة صفد تم تغيير النواب فيها أكثر من مئة وستا وأربعين مرة ، ومرد هذا يعود إلى طبيعة السلطنة المملوكية بشكل عام ، وإلى ما شهدته من اضطراب مستمر وعدم استقرار ، وعلى هذا لم ترتبط أمور العزل والتعيين بالكفاءة والعجز بل ارتبطت بالتغيرات التي شهدها مركز الدولة ، فبعض الأمراء جرى تعيينهم للتخلص من معارضتهم للسلطان كالأمير سيف الدين الأبو بكري الذي رفض قبول هذا التعيين سنة ٧٣٢ ه / ١٣٢٢ م (٣٨) ، والأمير أرغون شاه الذي بعث نائبا إلى صفد سنة ٧٤٧ ه / ١٣٤٦ م لتعاليه على السلطان نفسه ، وتكبره على الأمراء ، وفحشه في مخاطبتهم ، وخشية من فتنة قد يحدثها في القاهرة (٣٩) ، والأمير أحمد الساقي الذي أبعد إلى نيابة صفد سنة ٧٤٩ ه / ١٣٤٨ م لأنه كان صاحب فتن (٤٠).
وكان بعض الأمراء يرسلون نوابا إلى صفد غضبا عليهم لا خشية منهم مثل الأمير سيف الدين طغاي الخاصكي ، وكان ذا حظوة لدى السلطان الناصر محمد بن قلاوون فغضب عليه فنفاه نائبا إلى صفد سنة ٧١٨ ه / ١٣١٨ م (٤١) ، والأمير الحاج آل ملك الذي كان نائبا للسلطنة في مصر ، فعزل وأرسل نائبا إلى دمشق ، وفي الطريق إليها لحقه أمر آخر بتعيينه نائبا لصفد ، وكان ذلك سنة ٧٤٦ ه / ١٣٤٥ م (٤٢).
وجرى تعيين بعض النواب استرضاء لهم في بعض حالات العصيان ، ففي سنة ٨٦٥ ه / ١٤٦١ م أقدم السلطان خشقدم على تعيين الأمير تمراز الأشرفي نائبا لصفد ذلك أنه اتفق مع الأمير جانم نائب دمشق على العصيان وحضر بالعساكر إلى مصر ، لذلك أرضي بنيابة صفد ، وبذلك أضعف السلطان حركة العصيان (٤٣).