ولأن الأمراء كانوا يتدرجون في المناصب ، وكانت خدماتهم غير مستقرة في مكان واحد (١٩).
هذا واعتادت السلطنة المملوكية منح بعض مشايخ البدو (العشير) إقطاعات لقاء خدمات محددة أو لإسهامهم في بعض الحملات ، إنما يبدو أن هذه الإقطاعات جاءت عن طريق التمليك الذي يمكن توريثه.
ولم يقتصر هذا الإجراء على مشايخ البدو ، وإنما شمل أمراء المماليك ، فبعدما حرر الظاهر بيبرس قيسارية وأرسوف سنة ٦٦٣ ه / ١٢٦٥ م «أمر بكشف قيسارية وعمل متحصلها ، فعملت بذلك أوراق ، وطلب قاضي دمشق وعدوله ووكيل بيت المال بها ، بأن يملك الأمراء المجاهدون من البلاد التي فتحها الله عليه وتبقى للولد منهم وولد الولد ، وما يدوم إلى آخر الدهر ، ويبقى إلى الأبد» (٢٠).
ويبدو أن هذه الأراضي قد كانت ممتلكة من قبل بعض الإقطاعيين الفرنجة ، وأن هؤلاء هربوا منها مع الذين كانوا يتولون حراستها إلى يافا وعكا ، فأقدم السلطان على تمليكها حسب قاعدة الصوافي التي عرفها التاريخ الإسلامي منذ العصر الراشدي.
وعلى هذا يمكن القول : إن أراضي الامتلاك كانت إما مملّكة حديثا لأمراء المماليك وهي هنا من أحسن الأراضي أو مما توارثه أفراد من السكان تملكوه ، ومن المرجح أن الملاك والمقطعين ـ على حد سواء ـ كان يأتيهم نتاج الأراضي دونما عناء ، وأن الفلاحين وإن لم يعدوا من أقنان الأرض عاشوا ظروفا كانت بعيدة عن الإنسانية والعدل. ويقول التاج السبكي :
«ومن قبائح ديوان الجيش إلزامهم الفلاحين في الإقطاعات بالفلاحة ، والفلاح حر لا يد لآدمي عليه ، وهو أمير نفسه ، وقد جرت عادة الشام بأن من نزح دون ثلاث سنين يلزم ويعاد إلى القرية قهرا ، ويلزم بشد الفلاحة ، والحال في غير الشام أشد منه فيها» (٢١).