[قلت] : إن أبا إسحاق (١) زعم أن قوله : (أيّاما) منصوب بمضمر. أي : أيا تريد ، أو غير ذلك. وكان هذا يقويه وقف يعقوب (٢) ، حين وقف ، فقرأ : (قل ادعوا الله أو ادعوا الرّحمن أيّا) (٣) ثم يبتدئ ، فيقول : (ما تدعوا فله الأسماء الحسنى). أي : أيا يكون ، فينصب (أيا) بمضمر. وهذا الذي تجنّبه لازم له في (ما) لأن قوله (ما تدعوا) ، ما : منصوب بتدعوا ، وتدعوا مجزوم به. ويكون (ما) على قراءته شرطا. قال : وكنا قديما على هذا ، فإذا هو يذكر هذه المسألة ، فوقع لأبي إسحاق ما قالوا في باب : هند ، ودار ، وإن الحركة في (دار) لا اعتداد به ، ف (دار) بخلاف قدم. وقال أبو علي في قوله : زيد لقيته ، وعمرا كلمته ، إن اختياره النصب هو الوجه.
ولا يلزمه قول الزيادي (٤) : إنك لو قلت : زيد لقيته ، وعمرا كلمته ، كان محالا ، لأن الإعراب لم يظهر في لقيته ، فلا اعتداد به ، فكذا ، لا اعتداد بإعراب (ما) حيث لم يظهر فيه الإعراب ، فافترق الحال بينه ، وبين (أيّ). وأجازوا : أيا تضرب يأتك. فنصبوا (أيا) بالفعل. ولو قيل : أيّهم يأت تضرب ، لم يكن في (أي) إلا الرفع. فلم يجيزوا نصب (أي) بالجواب ، لأن نصبه يوجب تقديم الجواب [٢٧ / أ] عليه. وتقديم الجواب ، يوجب رفع الجواب. وأجازوا نصبه بالشرط ، دون الجواب. وهذا المعنى يلزم أيضا في الشرط ، إلا أنه ربما يقال : إن (أيّا) مع الشرط كالشيء الواحد ، لا يقدر انفصال كل واحد منهما عن صاحبه. والجواب قد ينفصل ، فيضمر لدلالة ما تقدم من الكلام عليه ، نحو : أضرب إن ضربت. وأنت ظالم إن فعلت. فأما إلزام الكسائي ما ألزم ، فليس بلازم ، لأن قولك : أيّهم تضرب ، وإن كان منصوبا ب (تضرب) وجزم (تضرب) به ، في المعنى تدافع بهذا اللفظ سائغ. ألا ترى أنه جاء : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ)(٥) و (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها)(٦) فمن حيث النظر إلى كون الفعل ، والفاعل ، فالفاعل مقدم على المفعول ، ومن حيث النظر إلى الكناية ، فلا بد من تقديم المكنيّ عنه. فكذا هاهنا : أيّهم تضرب ، من حيث النصب ، هو في نية التأخير ، ومن حيث الجزم ، هو في نية التقديم. فأما : زيد قائم ، فهو يربط أحدهما بصاحبه ، فيرتفع ، ولا يثبت. [فإن قلت] : فإن الذي ذكرناه أولى مما ذكرتموه ، لأنكم تدّعون معنى يرفع المبتدأ وذاك المعنى يزول ، فلا يصلح أن يكون عاملا ، لأن العامل يقتضي المعمول. كقولنا : ذهب زيد. ذهب
__________________
(١) معاني القرآن وإعرابه ـ للزجاج ٢ : ٢٦٤ ، وفيه : (فأعلمهم الله أن دعاءهم الرحمن ، ودعاءهم الله يرجعان إلى شيء واحد ، فقال : (أيا ما تدعوا) المعنى : أي أسماء الله تدعوا (فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى).
(٢) هو : أبو محمد ، يعقوب بن إسحاق بن زيد ، الحضرمي (ت ٢٠٥ ه). أخذ القراءة عن : سلام الطويل ، ومهدي بن ميمون ، وأبي الأشهب العطاردي ، وآخرين. روى القراءة عنه : زيد ابن أخيه (أحمد) ، وكعب بن إبراهيم ، وعمر السراج ، وآخرون ، كان عالما بالعربية ، ووجوهها ، والقرآن ، واختلافه. ينظر : غاية النهاية ٢ : ٣٨٦ ـ ٣٨٩ ، والبلغة ٢٨٧.
(٣) برواية : رويس ، وكذلك وقف : حمزة ، والكسائي. التيسير ٦١ ، وإتحاف الفضلاء ٢٨٧.
(٤) هو : أبو إسحاق ، إبراهيم بن سفيان ، الزيادي (ت ٢٤٩ ه). أخذ عن : الأصمعي ، وغيره ، وأخذ عنه : أبو العباس ، المبرد ، وغيره. له : (كتاب النقط والشكل) ، و (كتاب تنميق الأخبار). ينظر : أخبار النحويين البصريين ٦٧ ، وطبقات النحويين واللغويين ٩٩ ، ومراتب النحويين ٧٥.
(٥) ٢ : سورة البقرة ١٢٤.
(٦) ٦ : سورة الأنعام ١٥٨.