يذكّى كما ذكّي [الآخر](١) بدلالة الرواية الأخرى. ذكاة الجنين ذكاة أمه ، بالنصب. على أن يكون التقدير : أن يذكى الجنين ذكاة مثل ذكاة أمه فحذف المصدر ، فصار التقدير : ذكاة الجنين مثل ذكاة أمه ، فحذف المثل المضاف [٢٩ / أ] وأقيم المضاف إليه مقامه ، فصار : ذكاة الجنين ، ذكاة أمه. كما قال : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ)(٢). فقوله : ذكاة أمه ، منصوب بقوله : ذكاة الجنين.
لأن ذكر المصدر ، ذكر أن مع الفعل ، كما أن ذكر أن مع الفعل ، ذكر المصدر. وقد تقدم بعض ذا. فذكاة الجنين : مبتدأ ، وذكاة أمه : منصوب به. والخبر مضمر استغني عنه ، لطول الكلام ، بما في صلة الموصول ، وهم مما يستغنون بطول الكلام عن ذكر الخبر. قالوا : لو لا زيد لهلك عمرو. فلم يذكروا خبر زيد. والتقدير : لو لا زيد بالحضرة لهلك عمرو. فاستغنوا عن ذلك الخبر ، بطول الكلام ، لما طال الكلام ، بجواب لو لا. ومما جاء من ذلك في الشعر ، [قول الشاعر] :
٦١ ـ علين بكديون ، وأبطنّ كرّة |
|
فهنّ إضاء صافيات الغلائل (٣) |
ويروى : طلين. يصف دروعا ، وأنهن قد طلين بالزيت ، ظاهرها ، وباطنها بالبعرات ، لأنه إذ ذاك أشد ما يكون. فالدروع حينئذ ، بمنزلة الغدران ، صافيات الغلائل. ويروى الغلاغل. فقد يكون : جمع : غلغلة ، وقد يكون جمع : غلالة : وهي التي تحتها. والغلاغل أيضا : الماء الذي تحت الأشجار. والكرّة : البعر. والإضاء : الغدران. وهو قد أنشد هذا البيت ، ولم يفسره. والله أعلم.
[قال أبو الفتح] : وأما الجملة ، فهي : كل كلام مفيد ، مستقل بنفسه. وهي على ضربين : جملة مركبة من : مبتدأ ، وخبر. وجملة مركبة من : فعل ، وفاعل. ولا بد لكل واحدة من هاتين الجملتين ، إذا وقعت خبرا عن المبتدأ ، من ضمير يعود إليه منها. تقول : زيد قام أخوه. فزيد مرفوع بالابتداء ، والجملة بعده خبر عنه. وهي مركبة من فعل ، وفاعل. [قلت] : إنما كان الضمير في الجملة لا بد منه ، لأن الجملة أجنبية من المبتدأ. فإذا جاء الضمير ربطها به ، وكان كالجزء منه.
والجملة إذا وقعت خبرا عن المبتدأ ، فليست بأصل ، وإنما هي مقدرة تقدير المفرد ، لأن المبتدأ ، والخبر ، نظير الفعل ، والفاعل. فقولك : زيد قائم. نظير قولك : قام زيد فكما أن قام زيد جزءان ، فكذلك : زيد قائم. فإذا قلت : زيد قام أخوه ، أو قلت : زيد أبوه قائم ، فالجملة في تقدير المفرد ، حتى يكون الكلام من جزءين ، ويكون طبقا للجملة الأخرى. ألا ترى أن الجملة الأخرى جزءان ، فمن المحال أن تكون هذه ثلاثة أجزاء فإذن هذان الجزءان المركب منهما الخبر في تقدير جزء واحد.
[٢٩ / ب] [فإن قال قائل] : فإن الفاعل قد جاء أيضا ، جملة. قال تعالى : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ
__________________
(١) الأصل غير واضح.
(٢) ١٢ : سورة يوسف ٨٢.
(٣) البيت من الطويل ، للنابغة الذبياني ، في : ديوانه ٧١ ، واللسان (وضا) ١ : ١٩٥ ، و (كرر) ٥ : ١٣٧ ، و (غلل) ١١ : ٥٠٢ ، والخزانة ٣ : ١٦٧.
وبلا نسبة في ابن يعيش ٥ : ٢٢.
كديون : دردي الزيت ، تجلى به الدروع.