ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) (٣٥) (١) ، فقوله : ليسجننه ، في موضع الرفع : فاعل بدا. فكيف زعمت أن الجملة من الفعل ، والفاعل ، لا تكون من ثلاثة أجزاء ، وكذا جاء أيضا ، فيما قام مقام الفاعل ، نحو قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ)(٢)(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا)(٣). ألا ترى أن الجملة في موضع الرفع ، أقيم مقام فاعل (قيل). فهذا نظير قولهم : زيد أبوه قائم. فالجملة في كلا البابين أصل. [قلت] : إن الجمل نكرات. ولا تكون فاعلة ، إذا لا فائدة فيها. أعني في الإخبار عما لا يعرف ، ولا يضبط ، ولأن الفاعل يضمر ، والمضمر أعرف المعارف. فلا تقوم الجملة مقامه. فلا يجوز أن يكون الفعل ، في قوله : (بدا لهم) مسندا إلى قوله : (ليسجننّه) ، لأن قوله : (ليسجننّه) جملة. وإذا كان كذلك ، ففاعل بدا : مضمر ، دل عليه بدا ، لأن (بدا) فعل ، والفعل يدل على المصدر ، فكأنه قال : ثم بدا لهم بداء. [قال الشاعر] :
٦٢ ـ أظنّك ، والموعود حق لقاؤه |
|
بدا لك من تلك القلوص بداء (٤) |
وقال : إذا كان غدا ، فائتني. أي : إذا كان ما تريد غدا فائتني. فأضمر. وكذلك قوله : (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض). أي : وإذا قيل لهم القول. وذكر الفعل ذكر المصدر. وقد مضى بعض ذلك. [قال الشاعر] :
٦٣ ـ وما أراها تزال ظالمة |
|
تظهر لي قرحة وتنكؤها (٥) |
فأراها ، أي : فأرى الرؤية ، فأضمر المصدر. وأراها اعتراض. وتقديره : وما تزال ظالمة أراها ، وأظنها. وليس هذا كقوله تعالى : (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ)(٦) ، لأن نراك ، هناك عدّي إلى كاف المخاطب ، فلا بد للمفعول الأول ، وهو الكاف من المفعول الثاني ، وهو الجملة التي بعده. وإذا عدي إلى أحد المفعولين. لم يكن اعتراضا ، ولم يكن ملغى. ألا ترى أنك ، إذا قلت : زيد خلت قائم ، لم تنصب ب (خلت) أحد المفعولين ، فثبت أن (أراها) في البيت ، أي : أرى الرؤية ، وهي اعتراض ، ملغى. [قال الشاعر] :
٦٤ ـ وما خلت أبقى بيننا من مودة |
|
عراض المذاكي المسنفات [٣٠ / أ] القلائصا (٧) |
__________________
(١) ١٢ : سورة يوسف ٣٥.
(٢) ٢ : سورة البقرة ١١.
(٣) ٢ : سورة البقرة ١٣.
(٤) البيت من الطويل ، لمحمد بن بشير الخارجي ، في : اللسان (بدا) ١٤ : ٦٦ ، والخزانة ٩ : ٢١٣ ، ٢١٥.
وبلا نسبة في : الخصائص ١ : ٣٤٠ ، وأمالي القالي ٢ : ٧١ ، وشرح شذور الذهب ١٦٧ ، والمغني ٢ : ٣٨٨ ، وهمع الهوامع ٤ : ٥٢.
(٥) البيت من المنسرح ، لابن هرمة ، في ديوانه ٤٨.
وبلا نسبة في : المغني ٢ : ٣٩٣ ، وهمع الهوامع ٢ : ٦٦ ، والخزانة ٩ : ٢٣٧.
(٦) ١١ : سورة هود ٢٧.
(٧) البيت من الطويل ، للأعشى ، في ديوانه ١٥١.
المذاكي : / الخيل التي بلغت أسنانها ، ومنه المثل : (جري المذكيات غلاب) اللسان (ذكا) ١٤ : ٢٨٨ ، المسنفات : المتقدمات ، ومنه : فرس مسنفة ، إذا كانت تتقدم الخيل في سيرها. العباب : الفاء (سنف) ٢٩٥.
القلائص : جمع قلوص ، من الإبل : الشابة. التاج (قلص) ١٨ : ١١٩.