الصاد ، والطاء اللذين هما لاما الفعل. وإنما يكون ذلك في كلمة ، نحو : الصراط ، والصويق ، فعلمت ما قلنا. ومن ذلك : أنهم قالوا : قامت هند ، فأنثوا الفعل ، لما كان الفاعل مؤنثا ، لأنه أحد أجزاء الفعل. ومن ذلك : ما ذهب إليه أبو عثمان المازني ، في قوله تعالى : [٣٥ / ب] : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ)(١) وفي قول [امرئ القيس] :
٧٦ ـ قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل |
|
... (٢) |
من أن المعنى : ألق ألق (٣) ، وقف قف. فاستغنى بتثنية الفاعل ، عن تكرار الفعل ، لأن الفاعل جزء من أجزاء الفعل ، فإذا ثني الفاعل ، فكأنه كرر الفعل ، ومن ذلك ، أنهم [قالوا] :
٧٧ ـ فأصبحت كنتيّا ، وأصبحت عاجنا |
|
وشرّ خصال المرء : كنت ، وعاجن (٤) |
فنسبوا إلى الفعل ، والفاعل جميعا. وحقهم ، إذا نسبوا إلى الجمل أن يحذفوا جزءا منها ، فيقولوا في : تأبط شرا : تأبطيا ، فلما قالوا : كنتيا ، ولم يحذفوا الفاعل ، علم أن الفاعل كأحد أجزاء الفعل. ومن ذلك : أنهم ، قالوا : حبذا زيد. فحبذا : مبتدأ ، فيما زعموا. وزيد : في موضع خبره.
والفعل لا يكون مبتدأ ، ولكن لما صيّر مع ذا كالشيء الواحد ، لما كان ذا : هو الفاعل ، جاز أن يكون مبتدأ تبعا للفاعل. فعلم أن الفاعل أحد أجزاء الفعل ، والفعل أحد أجزاء الفاعل. ومن ذلك : أنهم قالوا : لا أحبّذه ، فاشتقوا من (حبذا) ، من غير إطراح الفاعل. فعلم أن الفاعل كأحد أجزاء الفعل. ومن ذلك : أنهم قالوا : زيد ، ظننت ، قائم. فألغوا ظننت. والمقصود إلغاء الفعل ، ثم ألغي الفاعل تبعا للفعل. فعلم أنه كأحد أجزائه ، حيث لم يفصل منه. ومن ذلك : أنهم استقبحوا : قمت وزيد ، فيعطفون زيدا على التاء ، لما كان كأحد أجزاء الفعل وكأنهم لو عطفوا على الفاء كانوا عطفوا على الفعل فلم يعطفوا ، حتى أكدوا فقالوا : قمت أنا وزيد. فهذه عشرة أدلة ، فافهمها.
فتبين بهذه الأدلة أن الفاعل بمنزلة جزء من الفعل ، فينبغي أن لا يقدّم عليه. وإذا قلت : زيد قام.
فزيد : مبتدأ ، وليس بفاعل لامتناع تقديمه عليه. وإذا قلت : ما قام زيد. فزيد فاعل ، ولم يحدث شيئا ، لأن الفعل مقدم عليه مسند إليه.
[قال أبو الفتح] : واعلم أن الفعل إذا خلا من الضمير ، لم تأت فيه بعلامة تثنية ، ولا جمع.
تقول : قام أخوك ، وقام أخواك ، وقام إخوتك. كله بلفظ واحد ، في (قام) لأنه لا ضمير فيه ، وإنما
__________________
(١) ٥٠ : سورة ق ٢٤.
(٢) البيت من الطويل ، وعجزه :
... |
|
بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل |
وهو في : ديوانه ١٤٣ ، والكتاب ٢ : ٢٠٥ ، والتحصيل ٥٦١.
(٣) تفسير القرطبي ١٧ : ١٦.
(٤) البيت من الطويل ، بلا نسبة ، في : شرح شافية ابن الحاجب ٢ : ٧٧ ، وفيها :
وما أنا كنتي ، وما أنا عاجن |
|
وشر الرجال : الكنتي ، وعاجن |
وابن يعيش ١ : ١٤ ، ٦ : ٧ (بروايتيه) ، واللسان (عجن) ١٣ : ٢٧٧ ، و (كون) ١٣ : ٢٦٩ (بروايتين مختلفتين).