زيد ، لما قيل : نعم الرجل ، قيل : من هو؟ فقيل : زيد ، أي هو زيد. واعلم أن للفاعل أحكاما ، منها : أن يذكر بعد الفعل ، ويذكر بعد الفاعل المفعول. تقول : ضرب زيد عمرا ، فتذكر (ضرب) أولا ، ثم تذكر الفاعل بعده ، ثم تذكر المفعول بعد الفاعل. هذا هو حقيقة الكلام. ثم يجوز تقديم المفعول على الفاعل ، لنظم شعر ، أو لأنهم يهمهم ذكر المفعول ، كما يهمهم ذكر الفاعل. وذلك قولهم : قتل اللّص الأمير ، فذكر اللص مهم ، كما أن ذكر الأمير كذلك. ويجوز أيضا تقديم المفعول على الفعل ، وذلك أيضا لما يهمهم من البداية بذكره. وكل ذلك في نية التأخير ، وإن تقدم لفظا.
ألا ترى أنه يجوز : ضرب غلامه [٣٦ / ب] زيد وغلامه ضرب زيد ، فتنصب غلامه ، لأنه مفعول ، وهو مقدم على الفاعل في اللفظ. والنية به التأخير. ولو لا ذلك ، لما صح الكناية قبل الذكر. وإنما جاز : ضرب غلامه زيد ، [و](١)(فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) (٦٧) (٢).
لأن النية به التأخير. والتقدير : أوجس موسى في نفسه خيفة ، وضرب زيد غلامه. وإذا كان كذلك ، فقول من قال في قوله تعالى : (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ)(٣) ، أن الضمير ، أعني : هما يعودان إلى الملكين. وقوله (فَيَتَعَلَّمُونَ) معطوف على قوله : (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) قول صحيح (٤). ولا وجه لرد أبي إسحاق (٥) عليه ، حين قال : إن هذا الكلام يوجب تقديم الإضمار على الظاهر ، لأنه يقدر : (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما) بجنب قوله : (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما). قال وهذا لا يجوز. وهذا الذي ذكره أبو إسحاق ، لو لزم هذا القائل ، للزم في قوله : (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) لأن هذا أيضا إضمار قبل الذكر ، ومع هذا جاز ، لأن النية به التأخير ، وللفظ حق ، وإن كان للمعنى حق ، فكلا الحقين مرعي.
وأجمعوا على جواز : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ)(٦) و (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها)(٧) فقدموا المفعول هاهنا ، ومرتبته بعد الفاعل ، [وعلى](٨) هذا وجب تقديمه على الفاعل. ومن أحكام الفاعل ، أيضا ، ما قال أبو الفتح : فإن كان الفاعل مؤنثا ، جئت بعلامة التأنيث في الفعل. تقول قامت هند ، وقعدت جمل.
اعلم أن المؤنث على ثلاثة أضرب : مؤنث حقيقي ، ومؤنث بعلامة ، ومؤنث من حيث السماع بغير علامة. فالمؤنث الحقيقي : كل ما كان بإزائه ذكر ، نحو : المرأة ، والأتان ، وما أشبههما. ألا ترى أن بإزائهما الذكر ، وهو : الرجل ، والحمار. فإذا كان هكذا ، ولم يفصل بين
__________________
(١) زيادة يقتضيها سياق العطف.
(٢) ٢٠ : سورة طه ٦٧.
(٣) ٢ : سورة البقرة ١٠٢.
(٤) وهو قول الفراء. معاني القرآن ـ للفراء ١ : ٦٤.
(٥) وإنما أنكر ذلك أبو إسحاق الزجاج ، لأن قوله : (منهما) دليل على التعلم من الملكين ، ولذلك قال : (الأجود عندي أن يكون : (وَلَقَدْ عَلِمُوا) للملكين ، لأنهما أولى بأن يعلموا. وقال : (علموا) كما يقال : الزيدان قاموا). ينظر : مجمع البيان ١ : ١٧٢ ، وتفسير القرطبي ١ : ٥٦.
(٦) ٢ : سورة البقرة ١٢٤.
(٧) ٦ : سورة الأنعام ١٥٨.
(٨) الأصل غير واضح.