الفعل ، والفاعل ، بفاصل ، ولم يكن في لفظ الاسم ، ما يدل على التأنيث ، وجب تأنيث الفعل.
تقول : قامت هند. ولا يجوز عند سيبويه (١) : قام هند ، خلافا لبعضهم ، إلا في الشاذ ، لأن هذا يؤدي إلى الاشتباه ، والالتباس. فأما إذا كان في اللفظ ما يدل على التأنيث ، فإن تذكير الفعل جائز [٣٧ / أ]. قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ)(٢) ولم يقل : جاءتك ، لأن التاء والألف في (مؤمنات) : أغنياك عن التاء في (جاءك).
وكذلك إذا فصل بين الفعل ، والفاعل فاصل ، جاز تذكير الفعل. تقول : قام اليوم ، هند.
وحكى سيبويه (٣) : حضر القاضي ، اليوم ، امرأة. قال : فطول الكلام ، صار كالعوض من لحاق تاء التأنيث في (حضرت). كما صار طول الكلام ، عوضا عن العائد من الصلة إلى الموصول ، في نحو قوله : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً)(٤). ولم يقل : بعثه الله ، لأن الصلة قد طالت بالفعل ، والفاعل.
وكما صار طول الكلام ، عوضا عن الجار في نحو قوله : (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا)(٥). ولم يقل : في (أَنْ تَبَرُّوا) ، لأن طول صلة (أن) أغنى عن ذلك. ولو كان مكان (أن) نفس المصدر ، لم يجز حذف الجار ، إذ لم يطل.
وأما المؤنث بعلامة ، فقد تكون علامته التاء ، مثل : الموعظة ، والرحمة. وقد تكون الألف المقصورة ، نحو : الدعوى ، والدنيا. وقد تكون الألف الممدودة. نحو : الصحراء ، والطرفاء ، وقد جاء في ذلك كله : التذكير ، والتأنيث. قال الله تعالى : (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ)(٦) وقال : (قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ)(٧). وقال : (هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي)(٨) وقال : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)(٩).
وقال : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)(١٠). فحملوا ذلك ، مرة على اللفظ ، فأنثوا ، ومرة على المعنى ، فذكروا ، إذ الوعظ ، والموعظة واحد. والرحمة ، والغفران واحد. وباب الحمل على المعنى واسع ، وقد ذكرنا بعضه.
والمؤنث بغير علامة ، نحو : الشمس ، والقدر. جاء فيهما الأمران أيضا. قال الله تعالى : (فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً)(١١) فأنث ، ثم قال (هذا رَبِّي) فذكر. قال سيبويه : وهذا كله ، لأن أصل الأشياء : شيء. وهو يعبر به عن جميع الموجودات ، وهو مذكر (١٢). فأما ما أنشده أبو الفتح من [قول الشاعر] :
__________________
(١) الكتاب ٢ : ٣٧ ـ ٣٩ ، وليس فيه : (قام هند) ، وإنما ذكرها الشارح تمثيلا للقاعدة.
(٢) ٦٠ : سورة الممتحنة ١٢.
(٣) الكتاب ٢ : ٣٨.
(٤) ٢٥ : سورة الفرقان ٤١.
(٥) ٢ : سورة البقرة ٢٢٤.
(٦) ٢ : سورة البقرة ٢٧٥.
(٧) ١٠ : سورة يونس ٥٧.
(٨) ١٨ : سورة الكهف ٩٨.
(٩) ٧ : سورة الأعراف ٥٦.
(١٠) ٧ : سورة الأعراف ١٥٦.
(١١) ٦ : سورة الأنعام ٧٨.
(١٢) الكتاب ٢ : ٤٠ ، وفيه : (جاء جواريك ... إذا كان في معنى الجمع).