اطردت عندهم إعرابا وتصريفا ، واشتقاقا ، فإذا وجدوا ما خرج على تلك القوانين عدوه شاذا (١) ، وبحثوا عن علة ، أو سبب لذلك.
وقسم الزجاجي ، صاحب أقدم كتاب وصل الينا في علل النحو ، العلة النحوية على ثلاثة أقسام (٢) :
١ ـ العلة التعليمية : وهي التي يتوصل بها إلى معرفة ما يلحق كل كلمة من الرفع ، والنصب ، والجر ، والجزم ، وعن العامل فيها تلك الأحوال ، وسمى العلماء هذه العلل ب (العلل الأول) ، وهي بحق عماد الاستقراء اللغوي ، وأجل وسيلة لتعليم النحو ، وتعلمه ؛ لأن النحو ، كما عرفه ابن جني هو : ((انتحاء سمت كلام العرب ، في تصرفه من إعراب وغيره ليلحق من ليس من أهل هذه اللغة العربية بأهلها في الفصاحة ، فينطق بها وإن لم يكن منهم)) (٣).
٢ ـ العلل القياسية :
وأما العلل القياسية ، فهي أن يقال ، مثلا : لم نصب (إن) زيدا ، قال الزجاجي ، فيقال : لأنها ضارعت الفعل المتعدي إلى مفعول ؛ فحملت عليه (٤).
وقد أطلق ابن السراج على هذا النحو من العلل (علة العلة) أو (العلل الثواني) (٥). وأنكر ابن جني عليه ذلك ، وعد ما مثل به شرحا وتتمة للعلة ، وهو قوله : إذا سئلنا عن علة رفع الفاعل ، قلنا : ارتفع بفعله ، فإذا قيل : ولم صار الفاعل مرفوعا؟ فهذا سؤال عن علة العلة (٦). وأيد ابن مضاء القرطبي ابن جني في إنكارها ؛ بل دعا إلى إلغائها ، وقال : (إنها لا تفيدنا) (٧).
٣ ـ العلل الجدلية النظرية :
وهي كل ما يعتل به بعد العلل التعليمية والقياسية ، فما يعتل في باب (إن) كأن يقال : من أي جهة شابهت هذه الحروف الأفعال؟ وبأي الأفعال شبهتموها؟ أبالماضية أم المستقبلة أم الحادثة في الحال ، أم المتراخية ..؟ إلى غير ذلك من السؤالات مما لا طائل تحته ؛ وإنما هي من صنع
__________________
(١) الشاذ عندهم : هو ما فارق ما عليه بقية بابه ، وانفرد عن ذلك إلى غيره ، أي فارق القياس ، وشذ عن الأصول ؛ إذ جعل أهل علم العربية ما استمر من الكلام في الإعراب وغيره من مواضع الصناعة مطردا ، وما خالف ذلك شاذا.
ينظر : الخصائص ١ : ٩٦ ، ٩٧ ، والتاج (شذذ) ٩ : ٢٤٢.
أما القراءة الشاذة في القرآن الكريم ، فهي القراءة التي فقدت أحد الأوجه الثلاثة للقراءة الصحيحة ، وهي : صحة السند ، وموافقة العربية ، وموافقة الرسم.
ينظر : النشر في القراءات العشر ١ : ٩ ، وأثر القراءات القرآنية في الدراسات النحوية ٤٦ ، والقراءات القرآنية : تأريخ وتعريف ٥٩.
(٢) الإيضاح في علل النحو ٦٤.
(٣) الخصائص ١ : ٣٤.
(٤) الإيضاح في علل النحو ٦٤.
(٥) الأصول ١ : ٣٧ ، ٥٨.
(٦) الخصائص ١ : ١٧٣ ، والاقتراح ٤٩.
(٧) الرد على النحاة ١٣١.