وزعم محمد بن يزيد (١) أن الآية محمولة على التكرار. وتقديره : وفي خلقكم وما يبث من دابة واختلاف الليل ، والنهار. فهو عطف على السموات. ولو ذكر هكذا ، علم منه ما يعلم منها الآن ، إلا أنه ذكر آيات تكرارا وتأكيدا للآيات المذكورة قبل في قوله : (إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ)(٢). ولو قال قائل : إن في الدار عمرا ، والقصر عمرا ، وكرر عمرا ، جاز ذلك. وأما قوله :
١١٧ ـ ... |
|
ولا قاصر عنك مأمورها (٣) |
فالرواية بالنصب ، بالحمل على موضع : بآتيك المنصوب بليس ، فهو عطف على ليس فحسب. وروي بالرفع على الاستئناف. فأما الجر ، فزعم أنه تصور قوله : مأمورها ، كأنه من المنهي. فهو كقولهم : ليس زيد بقائم ، ولا قاعد أبوه ، فكأن قال : ولا قاصر عنك مأمور منهيها.
فجاء مأمورها ، ولم يقل : مأموره ، كما جاء : (فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها)(٤) لما كانت الأمثال مضافة إلى الحسنات ، اكتسى منه التأنيث. فأما قول الفرزدق ، فقد أضمر الباء فيه لجري ذكره. وفي المسألة طول ، وفيما ذكرت لك كفاية.
ولنعد إلى قوله : ليس زيد بقائم ، ولا قاعد عمرو ، أنه لا يجوز ، لأنك عطفت على عاملين.
فإذا قلت : ولا قاعدا عمرو جاز ، لأنك عطفت قاعدا على موضع بقائم ، وعطفت عمرا على زيد. فزيد مرفوع (بليس) ، و (بقاعد) في موضع النصب ، خبر ليس ، فهو عطف على عامل واحد.
فأما إذا قلت : ما زيد بقائم ، ولا قاعد عمرو لم يجز جرّ قاعد ، ولا نصبه. أما الجر ، فلأنه عطف على عاملين. وأما النصب ، فلأن قاعدا لو نصب لكان محمولا على موضع بقائم ، وكان عمرو محمولا على (ما) فيصير كأنك قلت : ما قاعدا عمرو. وقد ذكرنا أنه إذا تقدم [٤٨ / أ] الخبر بطل عمله. قال : وتقول : ما زيد كعمرو ، ولا كشبيه به ، ولا شبيها به ، بالجر ، والنصب. فالجر على تقدير : ما زيد كعمرو ، ولا كشبيه به. ففيه إثبات شبيه له. وإذا قلت : ما زيد كعمرو ، ولا شبيها به ، نفيت الشبيه على كل حال ، لأنك كأنك قلت : ما زيد مثل عمرو ، وما زيد شبيها به ، فهذا الفرق بين الجر ، والنصب.
باب إنّ وأخواتها
وهي : إنّ ، وأنّ ، وكأنّ ، ولكنّ ، وليت ، ولعلّ. فهذه الحروف كلها تدخل على المبتدأ ، والخبر ، فتنصب المبتدأ ، فيصير اسما لها. وترفع الخبر ، ويصير خبرها. واسمها مشبه بالمفعول ، وخبرها مشبه بالفاعل. تقول : إنّ زيدا قائم.
__________________
(١) المقتضب ٢ : ٣٥٦ ، ٣٥٧.
(٢) ٤٥ : سورة الجاثية ٣.
(٣) عجز بيت من المتقارب ، سبق ذكره رقم (١١٥).
(٤) ٦ : سورة الأنعام ١٦٠.