اعلم أن هذه الحروف ، إنما أعملت ، لأنها تشبه الأفعال من حيث إن أواخرها مبنية على الفتح ، كما أن أواخر الأفعال الماضية كذلك. ولأن الضمير يتصل بها كما يتصل بالأفعال. تقول : إنني ، وإنك ، كما تقول : سرني ، وسرك ، ولأن أم الباب هو : إنّ ، وتذكر للتأكيد ، كما أن الفعل الحقيقي كذلك ، يذكر للتأكيد ، نحو : ضربت ضربا. ألا ترى أن ضربا ذكر ، لتأكيد ضربت. إلا أنه لما أعمل لمشابهته الفعل قدّم فيه المنصوب ، على المرفوع ، فقيل : إن زيدا قائم. كما تقول : ضرب عمرا زيد ، وإنما فعل كذلك ليفرق بين باب (كان) وباب (إنّ) لأن باب (كان) فعل على الحقيقة ، وباب (إن) مشبه به ، وليس به. ثم ذكر من بعد ذلك الفرق بين معاني هذه الحروف.
فقال : إنّ ، وأنّ : للتحقيق. وكأنّ : للتشبيه. [ولكنّ : للاستدراك](١). وليت : للتمني ولعل : للترجي.
والفرق بين التمني ، والترجي ، أن التمني يصح في المستحيل ، وغير المستحيل. والترجي ، لا يكون إلا في غير المستحيل. تقول : ليت الشباب يعود ، كما تقول : ليت زيدا قادم. ولا تقول : لعل الشباب يعود. وأخبار إنّ كأخبار المبتدأ من المفرد ، والجملة ، والظرف.
[قال أبو الفتح] : ولا يجوز تقديم أخبارها على أسمائها ، إلا أن يكون الخبر ظرفا. تقول : إن في الدار زيدا. ولعل عندك عمرا.
[قلت] : هذه المسألة تدل على أن الظرف قسم على حياله ، وإن القائل إذا [٤٨ / ب] قال : في الدار زيد ، لا يصح أن يدعي فيه أن ارتفاع زيد ، إنما هو في قول الأخفش (٢) باستقر الذي تعلق به الظرف ، وإن المعاملة مع ذلك الفعل ليس الأمر كذلك ، لأنا نقول : إن في الدار زيدا. ولو كانت المعاملة مع استقر الذي تعلق الظرف به ، لم يقع الفصل به بين (إنّ) واسمه ، كما لا تقول : إن قام زيدا. ولما جاز : إن في الدار زيدا ، ولم يجز : إن قام زيدا ، لم تكن المعاملة مع ذلك الفعل.
فقوله تعالى ، يا أبا إسحاق (٣) : (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ)(٤).
يرتفع (أميون) بالظرف ، عند أبي الحسن ، لا باستقر الذي تعلق به منهم ، لأن ذلك الفعل قد رفض ، وخزل ، ولم يعمل. وإنما المعاملة مع الظرف فاعرفه. وجاز أن تكون المعاملة مع الظرف ، لأنه جرى في كلامهم ، قائما مقام الفعل ، مغنيا عن ذكر الفعل.
[قال أبو الفتح] : وتدخل اللام المفتوحة في خبر إن المكسورة ، دون سائر أخواتها ، زائدة مؤكدة. تقول : إن زيدا لقائم. ولو قلت : ليت زيدا لقائم ، أو نحو ذلك ، لم يجز. لأن هذه اللام للابتداء ، وهي تحقق ، وتقوي معنى الابتداء ، وحكمه. وليت ، ولعل قد زال معهما معنى الابتداء ، وأحكامه.
__________________
(١) إضافة غفل الشارح عن ذكرها.
(٢) مجمع البيان ١ : ١٤٤.
(٣) أي : الزجاج ، ينظر : مجمع البيان ١ : ١٤٤.
(٤) ٢ : سورة البقرة ٧٨.