السائل ، طلبا للجدل والنظر (١). إذ معنى الجدل النظري ، اللدد واللجاج في الخصومة (٢).
وهذا النوع من العلل أطلق عليه ابن مضاء القرطبي (العلل الثوالث) ودعا إلى إسقاطه ؛ إذ ليس في تلك التعليلات نفع ولا فائدة في ضبط الألسنة (٣).
وأجد من الحري بمتكلمي العربية أن يعرفوا من العلل ، العلل التعليمية ؛ إذ عرفنا من الدرس النحوي أن (زيدا) مرفوع في (قام زيد) ، لأنه فاعل ومنصوب في (إن زيدا قائم) لأنه اسم (إن) إلى ما لا حصر له من مشابهة هذه العلل.
وأولع جامع العلوم ، في شرح اللمع ، الولع كله بذكر العلل التعليمية فافاد الدارس ثروة أيما ثروة ؛ إذ زوده بالأسباب المستنبطة من كلام العرب ، في أن يجري على ذلك السنن ، وجل علله هي علل النحويين البصريين ، وكان من شأنه أن يتتبع العلة ليزيدها إيضاحا ، فيدلي في أثناء ذلك بكل ما هو مفيد من العلل المضافة والرأي النادر ، له أو لمن سبقه من النحويين.
وأذكر ، من باب التمثيل على اهتمامه بالعلة ، مسألتين :
الأولى : علة بناء الأسماء.
قال ابن جني : (الاسم المتمكن ما لم يشابه الحرف) (٤).
شرح جامع العلوم ، هذه العبارة ، فقال : (يعني أن الأصل في الأسماء الإعراب ، فما بني منها ، فلأنه يشابه الحرف ، وحقيقة هذا الكلام أن الأسماء المبنية ، منها ما بني لتضمنه معنى الحرف ، نحو (من) إذا كان بمعنى الاستفهام ، أو بمعنى الشرط كقولك : من في الدار؟ فمعناه : أزيد في الدار أم عمرو؟. وإنما بني (من) لتضمنه معنى الهمزة ، وكذلك إذا قلت : من يأتنا نكرمه ، إنما بنيت لتضمنها معنى (إن).
ومنها ما بني لمشابهته الحرف ، وذلك نحو (من) إذا كانت موصولة ، كقولك : من في الدار أكرمته ف (من) هاهنا مبنية ؛ لاحتياجها إلى الصلة ، والصلة بعض الموصول ، ف (من) كأنه بعض الاسم ، وبعض الاسم لا يستحق الإعراب ؛ فهو بمنزلة الحروف التي هي أداة ، فكل ما لم يتضمن معنى الحروف ، ولا يشبهه من الأسماء ، فهو معرب) (٥).
الثانية : علة كون الفتحة في (مررت بأحمد) فتحة إعراب لا فتحة بناء :
قال جامع العلوم والفتحة في (مررت بأحمد فتحة إعراب ، لا فتحة بناء لأن الشبهية بالأفعال (٦) ، لا توجب البناء ، وإنما تمنع الصرف ، والشبهية بالحروف توجب البناء ، وها هنا لم توجد الشبهية بالحروف ؛ فلهذا قلنا : إن هذه الفتحة ، في حالة الجر ، فتحة إعراب لا فتحة بناء.
__________________
(١) الإيضاح في علل النحو ٦٥.
(٢) المنطق ٣٧١.
(٣) الرد على النحاة ١٣١ ، والمدارس النحوية (شوقي ضيف) ٣٠٦.
(٤) شرح اللمع لجامع العلوم ٧.
(٥) شرح اللمع لجامع العلوم ٨.
(٦) يعني أن (أحمد) على وزن الفعل فله شبه به.