فإن قلت : يجوز أن يكون هذا الاسم ، في حالة الرفع والنصب معربا ، وفي حالة الجر مبنيا ؛ لأن المعرب قد يعود مبنيا ، هذا كما تقول في قولك : يا زيد ؛ وذلك لأن (زيدا) معرب ، ثم يطرأ عليه ما يبنيه ، فكذلك أيضا ، جاز أن يكون هاهنا في حالة الرفع والنصب معربا ، وفي الجر يعود مبنيا.
الجواب : قلنا ليس كذلك : وذلك لأن في المنادى ، إنما بني لأنه وقع موقع المضمر فبني وها هنا لم يقع موقع المضمر ، فلم يبن) (١).
ألا ترى كم ذكر من العلل ، أو أتى به من المحاورة ، حتى يصل بنا إلى أن الفتحة في (مررت بأحمد) فتحة إعراب لا بناء؟!.
لقد وصل بنا إلى ذلك خلال الأمور أو التعليلات الآتية :
١. إن (أحمد) اسم على وزن الفعل.
٢. ما كان على وزن الفعل فهو يشبه الفعل.
٣. ما أشبه الفعل يعرب ولا يبنى.
٤. أشكل على نفسه ؛ إذ من المعرب ما يعود مبنيا ، كالمنادى ، نحو (يا زيد).
٥. دفع الإشكال بأن (زيدا) في المنادى يقع موقع المضمر ؛ إذ التقدير يا أنت (٢).
٦. أحمد في (مررت بأحمد) لا يقع موقع الضمير (٣) ، فلا يبنى وهذا النهج من ذكر العلل التعليمية المتعددة للمسألة الواحدة ، أو الأسلوب من (الفنقلة) نجده ماثلا وجاريا على جميع موضوعات شرحه.
المبحث الثالث بين يدي شروح اللمع الأخرى
حظي كتاب اللمع في العربية ، لابن جني ، بانتشار واسع لما تميز به من سهولة العبارة ، واتباع المنهج التعليمي في : ترتيب الأبواب ، وتهذيب القواعد ، واختيار الشواهد ، والإحاطة في إيراد الأمثلة ، والعناية بالمصطلح النحوي إلى غير ذلك من السمات التي جعلت الناشئة والمتعلمين يقبلون عليه إقبالا شديدا ؛ بدليل كثرة شروحه ، واقتباس العلماء اسمه عنوانا لمؤلفاتهم في شتى فروع المعرفة ، فهناك اللمع في الفقه ، واللمع في التصوف ، واللمع في الأصول (٤).
ومن أجل هذه المكانة التي احتلها كتاب اللمع في الدرس النحوي ، فقد عني علماء النحو بشرحه ، كل بحسب ما أوتي من حكمة هذا العلم ؛ فجاءت شروحهم مختلفة في البسط والإيجاز ، والعمق إلى غير ذلك من الفوارق ، حتى بلغت عشرين شرحا ونيفا.
__________________
(١) شرح اللمع لجامع العلوم ٣٣٣.
(٢) شرح اللمع لجامع العلوم ٢٨٤.
(٣) لأنه في جملة خبرية ، فلا يصح : مررت ب (هو).
(٤) كشف الظنون ٢ : ١٥٦١ ـ ١٥٦٦.