الواحد ، فقال هاهنا : إنّ النون تثبت في التثنية ، وإن لم يكن في الواحد تنوين ، كما ثبت في تثنية قولهم : الرجل والرجلان. ولم يكن في المفرد تنوين ، لأن ضرب التثنية ضرب واحد ، فلا يختلف ، وإن كان الأصل أن يكون بدلا منهما ، وقد يكون بدلا من أحدهما ، كما تقدم في بابه. وزعم (١) أن يونس ، سمع العرب تقول : لا يدي بها لك. فحذفوا النون من التثنية ، مع الفصل بين الكاف ، والاسم ، فأجازوا على ذلك : لا غلامي لك (٢) فقدروا زيادة اللام. وكأنه قيل : لا غلاميك.
فجاؤوا باللام ، لأن اللام تؤكد الإضافة (٣). وقد قالوا : لا أبالك. فهذه اللام تقدر زيادتها من وجه ، وإثباتها من وجه. فمن حيث عمل (لا) في أب ، كانت اللام ثابتة ، حتى لا يكون داخلا فيه ، إلا على تقدير : لا أب لك.
وزعم المبرد ، أنه لا يجوز : لا غلامين (٤) ، بالتثنية. قال : لأن الواحد مبني ، فلا يصح فيه التثنية ، لأن الياء حرف إعراب. وقد ذكرنا أن يونس حكى عنهم : لا يدي بها ، لك. أي : لا طاقة بها لك. والسماع لا يردّ ، ولا سيما القياس يعتمده. وذلك ، لأن مذهب سيبويه ، أن الفتحة في قولك : لا رجل في الدار ، فتحة إعراب (٥) ، وليس بفتحة بناء ، والدليل عليه : لا غلام في الدار ، وجارية ، بالتنوين. فثبات التنوين في الثاني دليل على أن الأول [٥٦ / أ] معرب. وإذا كان معربا جاز تثنيته.
[فإن قلت] : فكيف زعمت ذلك ، وسيبويه قال : لا رجل ، بمنزلة : خمسة عشر (٦)؟.
[قلت] : ذلك يريد به ، أنه كما لا تفارق خمسة من عشر ، لم تفارق (لا) من (رجل). ولم يعن أن الحركة حركة البناء. وقولهم : لا يدي بها لك ، ولا يدي اليوم لك ، عند سيبويه ، كلاهما يجوز في الشعر. لا يجيز سيبويه الفصل بين المضاف والمضاف إليه ، بما يتم الكلام به ، وبما لا يتم (٧). ويونس يجيز الفصل بما لا يتم الكلام به ، نحو : لا يدي بها لك. ولا يجيز : لا يدي اليوم لك. قال : لأن ما لا يتم به الكلام ، يعلم منه احتياج الأول إلى الثاني. فجاز الفصل به ، وكلاهما عند سيبويه شاذ (٨).
ولما فرغ من ذكر المرفوعات ، أخذ يبين أقسام المنصوبات. وقسمها قسمين : مفعول ، ومشبه. ثم المفعول خمسة أقسام ، فقال : مفعول مطلق ، ومفعول به ، ومفعول فيه ، ومفعول له ، ومفعول معه.
باب المفعول المطلق ، وهو المصدر
[قال أبو الفتح] : اعلم أن المصدر : كل اسم دل على حدث ، وزمان مجهول. وهو وفعله ،
__________________
(١) أي : سيبويه. الكتاب ٢ : ٢٧٩ ، فيه : (قبح أن تقول : لا يدى بها لك ..... وإثبات النون أحسن).
(٢) الكتاب ٢ : ٢٧٦.
(٣) الكتاب ٢ : ٢٧٧.
(٤) المقتضب ٤ : ٣٦٦ ، والمغني ١ : ٢٣٨.
(٥) الكتاب ٢ : ٢٧٤.
(٦) الكتاب ٢ : ٢٧٤.
(٧) الكتاب ٢ : ٢٧٦.
(٨) الكتاب ٢ : ٢٧٩.