من لفظ واحد. والمصدر اسم للفعل ، والفعل مشتق من المصدر.
[قلت] : إنما سمي المصدر : مفعولا مطلقا ، احترازا عن المفعول به. وذلك ، لأنك إذا قلت : ضربت ضربا. فضرب : فعلك فعلا مطلقا. وليس كذلك : ضربت زيدا ، إذ لست محدثا لزيد ، كما أحدثت ضربا. وقوله : (المصدر يدل على حدث ، وزمان مجهول).
هذا كلام يخالف فيه كلام سائر البصريين (١). وذلك ، لأنهم زعموا أنّ مدلول المصدر ، إنما هو الحدث ، فحسب. والفعل ، إنما صيغ ، ليدل على الحدث ، والزمان جميعا. فلو كان المصدر يدل عليهما لم يحتج إلى صيغ الأفعال. وربما يقول أبو الفتح ، في جواب ذلك أنّ الفعل يدل على الحدث ، والزمان المخصوص. والمصدر يدل على الحدث ، والزمان المجهول ، فيقال له : إن هذا الزمان المجهول ، لا ينفك عنه مخلوق ، إذ عليه أجرى الله العادة في خلق هذه الأشياء ، في هذه الأزمنة ، فليس [٥٦ / ب] للمصادر به اختصاص. فلو قلت : إنّ قولك : ضرب ، يدل على الحدث ، والزمان المجهول ، قيل لك : زيد يدل على الحدث ، والزمان المجهول ، إذ في الزمان خلق ، كما أن الضّرب في الزمان حدث. ولو لزمت ذلك ، لزمك أن تقول : إن الضّرب ، يدل على الحدث ، والزمان المجهول ، والمكان الواقع فيه ، لأنه لا يقع إلا في مكان.
وفي المسألة إشكال. ولم يقولوا فيه أكثر ، مما قلته لك. وقوله : والمصدر : اسم للفعل ، والفعل مشتق منه ، يعني بالفعل الأول ، الحدث ، لأنه فعل حقيقي. ويعني بالفعل الثاني صيغة الفعل ، نحو : ضرب يضرب. هذا المشتق من الضرب عندنا. وعند الكوفيين ، الضّرب مشتق ، من ضرب.
قالوا ، لأنا نقول : ضربت ضربا (٢) ، فنعمل ضربت في المصدر ، والعامل قبل المعمول ، ولأنا نقول : ضربت ضربا ، فنؤكد ضربت بالمصدر ، والمؤكّد قبل المؤكّد. قالوا ، ولأنا نقول : صمت صياما ، وقمت قياما. والأصل : صوام ، وقوام ، فاعتلا لاعتلال الفعل ، فعلم أن الفعل متبوع ، والمصدر تابع. والصحيح ، قول سيبويه ، حيث قال : وأما الفعل ، فأمثلة (٣) أخذت من المصادر ، وذلك ، لأن الضرب : يدل على الحدث. وضرب : يدل على الحدث ، والزمان جميعا. وكذلك يضرب : يدل عليهما. وإذا كان كذلك ، فالمعنى الدائر في الصيغ كلها ، هو الحدث. والزمان قد يكون ثابتا ، وقد يكون بخلاف ذلك. فما دل على الحدث ، كان الأصل. وما دل عليهما ، كان فرعا. نظيره من المحسوسات : الذهب ، والفضة ، مع الصيغ المتخذة منهما. أفيقال : إن صيغة الخلخال ، والخاتم ، أصل ، والذهب فرع ، بل الذهب أصل ، لأنه دائر في الصيغ كلها ، ولأن مدلول المصدر ، هو الحدث ، ومدلول الفعل : الحدث ، والزمان جميعا. والواحد أصل للاثنين. وقولهم : إن الفعل يعمل في المصدر ، والعامل الأصل. قلنا : إنّ ، وأنّ ، ولن ، يعملن في الأسماء [٥٧ / أ] والأفعال. وما أظنك تنازعني في كون الحرف فرعا مترتبا على الأسماء ، والأفعال. ومع ذلك ، عمل الحرف فيهما لا
__________________
(١) الإنصاف (مسألة ٢٨) ١ : ٢٣٥ ، ٢٣٧.
(٢) الإنصاف (مسألة ٢٨) ١ : ٢٣٥.
(٣) الكتاب ١ : ١٢ ، وفيه : (وأما الفعل فأمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء).