الجارة مرة ، وتحذف أخرى ، نحو قولك : نصحتك ، ونصحت لك ، وشكرتك ، وشكرت لك ، ووزنتك ، ووزنت لك ، وكلتك ، وكلت لك. وفي التنزيل : (وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) (٣) (١) ، أي كالوا لهم ، أو وزنوا لهم.
[قال أبو الفتح] : والمتعدي بنفسه على ثلاثة أضرب : متعد إلى مفعول واحد ، ومتعد إلى مفعولين ، ومتعد إلى ثلاثة مفعولين. فالمتعدي إلى مفعول واحد ، نحو : ضربت زيدا [٦١ / أ] وكلمت جعفرا.
[قلت] : هذا النوع ينقسم قسمين : أحدهما علاج ، والآخر غير علاج ، فالعلاج ، نحو قولك : الضرب ، والأكل. وغير العلاج : أفعال الحواس الخمس ، نحو السمع ، والبصر ، والشم ، والذّوق ، واللّمس. فأما قولهم : سمعت ، فإنه يتعدى مرة إلى مفعول واحد ، كقولك : سمعت صوته ، وسمعت نداءه. ولا بد أن يكون ذلك المفعول مما يصحّ أن يسمع ، ولا يصح في غيره. لا تقول : سمعت زيدا.
[فإن قلت] : فقد قال تعالى : (هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ)(٢).
[قلت] : التقدير في ذلك : هل يسمعون دعاءكم ، فحذف ، كما قال في موضع آخر ، فأظهر ما أضمر : (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ)(٣). وزعم معمر (٤) أن التقدير : هل يسمعونكم تدعون ، فحذف الأول لدلالة الثاني عليه. وربما يتعدى سمعت إلى مفعولين. تقول : سمعت زيدا يقول ، وسمعت زيدا ينادي.
[قال أبو الفتح] : والمتعدي إلى مفعولين على ضربين أيضا : متعد إلى مفعولين ، ولك الاقتصار على أحدهما ، نحو قولك : أعطيت زيدا درهما ، وكسوت محمدا ثوبا. لك أن تقول : أعطيت زيدا ، وكسوت محمدا.
[قلت] : هذا النوع ، أيضا ، ينقسم قسمين ، أحدهما : يتعدى إلى المفعولين بنفسه ، من غير واسطة جار. وذلك ، نحو : أعطيت ، وكسوت. والثاني : ما يتعدى إلى المفعول الثاني بواسطة جار.
تقول : اخترت زيدا الرجال ، أي : من الرجال. وأمرتك الخير ، أي : بالخير. واستغفرت الله ذنبا ، أي : من ذنب. قال الله تعالى : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ)(٥) ، أي : من قومه. [قال الشاعر] :
١٥٨ ـ أمرتك الخير ، فافعل ما أمرت به |
|
فقد تركتك ذا مال ، وذا نشب (٦) |
__________________
(١) ٨٣ : سورة المطففين ٣.
(٢) ٢٦ : سورة الشعراء ٧٢ ، وينظر : مجمع البيان ٧ : ١٩٣.
(٣) ٣٥ : سورة فاطر ١٤.
(٤) هو : أبو عبيدة ، معمر بن المثنى ، البصري ، النحوي ، اللغوي (ت ٢٠٨ ه ، وقيل ٢٠٩ ه). كان أبو عبيدة من أعلم الناس بأنساب العرب ، وبأيامهم ، وله كتب كثيرة في أيام العرب ، وحروبها ، مثل : (كتاب مقاتل الفرسان). ينظر : أخبار النحويين البصريين ٥٢ ، وطبقات النحويين واللغويين ١٧٥ ، والبلغة ٢١٦.
(٥) ٧ : سورة الأعراف ١٥٥.
(٦) سبق ذكره رقم (٣٣).