وفتية : رفع ، خبر : أول ما. والتقدير : الحرب أول أحواله فتية ، على قولهم : شعر شاعر ، وموت مائت.
باب التمييز
[قال أبو الفتح] : والتمييز : تخليص الأجناس ، بعضها من بعض. ولفظ التمييز : اسم نكرة ، يأتي بعد الكلام التام ، يراد به الجنس.
[قلت] : شرط التمييز : أن يكون مفسّرا لمبهم ، وأن يكون نكرة ، وأن يصلح فيه إظهار (من) معه. وهو على ضربين : أحدهما : أن يكون بعد تمام الكلام. والآخر : أن يكون بعد تمام الاسم. ومعنى قولي : بعد تمام الكلام : أن يكون الفعل أخذ فاعله. وهذا ، أيضا ، على ضربين : أحدهما : أن يكون الاسم المنصوب على التمييز يصلح أن يكون فاعلا في اللفظ ، والمعنى. كقولك : طاب زيد نفسا. ألا ترى أنك ، لو قلت : طابت نفس زيد ، جاز. وإنما نصب قولك : نفسا ، على التمييز ، تشبيها بالمفعول به ، لأنك ، لما نقلت الفعل ، وهو : طاب عن الفاعل ، وهو : النفس ، إلى ما هو بسبب منه ، وهو : زيد ، فقلت : طاب زيد ، لم يمكنك رفع نفس. لأن الفعل أخذ فاعله ، فنصب (نفس) على التمييز ، لما جاء بعد الفعل والفاعل ، مجيء المفعول بعدهما. والثاني : أن يكون المنصوب على التمييز فاعلا في المعنى دون اللفظ. كقوله : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً.) وامتلأ الحوض ماءا. ألا ترى أن الماء هو الشاغل للحوض ، والشيب [٧٦ / أ] هو المعمّم للرأس. ولو قيل : امتلأ الماء. واشتعل الشيب ، لم يصلح. فالتمييز : تفسير للمبهم. وهو : نكرة يصلح معه (من). وإذا كان كذلك ، فقوله تعالى : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ)(١) ، لا يجوز أن يكون انتصاب (نفسه) على التمييز ، لأنه معرفة. وقد ذكرنا أنه ينبغي أن يكون نكرة. فإذن ، انتصاب (نفسه) في الآية ، ليس على التمييز ، وإنما هو بنزع الخافض. والتقدير : إلا من سفه في نفسه ، فحذف (في). أو يكون (سفه) بمعنى : سفّه. أو يكون (سفه) محمولا على نظيره ، وهو : جهل. فالتمييز : نكرة يصلح معه (من).
فقولهم : أنت طالق ثلاثا ، لا يكون انتصابه على التمييز ، لأنك ، لو قلت : أنت طالق الثلاث ، جاز.
فالتمييز لا يكون معرفة. ولأنك ، لو قلت : أنت طالق من ثلاث ، لم يكن له معنى. فلما لم يحسن في ثلاث (من) وجاز تعريفه ، ثبت أن انتصابه لا على التمييز ولكن على الظرف ، على تقدير : أنت طالق ثلاث مرات. أو على المصدر ، على تقدير : أنت طالق ثلاث طلقات.
فالتمييز : نكرة بمنزلة الحال. فكما أن الحال تكون نكرة ، فكذا التمييز. وقولهم : القوم فيهم الجمّاء الغفير. وأرسلها العراك. ومررت به وحده. يكون الألف واللام فيه زيادة ، ليست للتعريف ، كما زادوها في (الآن) و (الذي). وأرسلها العراك : مصدر ، في تقدير : أرسلها تعترك العراك. ف (تعترك) هو الحال ، لا (العراك) وإنما (العراك) مصدر. والمصدر يجوز أن يكون معرفة ، ونكرة.
__________________
(١) الكتاب : ١ / ٣٧٥.