ألا ترى قول [الشاعر] :
١٨٨ ـ بواد من قسى ، ذفر الخزامى |
|
تحنّ الجريباء به الحنينا (١) |
فنصب الحنين على المصدر ، وهو معرفة.
[قال أبو الفتح] : وأكثر ما يأتي بعد الأعداد ، والمقادير. فالأعداد من أحد عشر إلى تسعة وتسعين. نحو قولك : عندي أحد عشر رجلا ، واثنا عشر غلاما ، وثلاثون جارية ، وخمسون درهما. قد ذكرنا أن انتصاب التمييز ، إنما هو التشبيه بالمفعول. وذلك ظاهر في قولك : طاب زيد نفسا ، وامتلأ [٧٦ / ب] الحوض ماءا ، وهو الضرب الأول. وهذا الذي ذكره هو الضرب الثاني ، ينتصب الاسم على التمييز ، والتفسير بعد تمام المفسّر. وذلك ضروب منها : العدد من أحد عشر إلى تسعة وتسعين. يكون الاسم بعد هذه الأعداد اسما نكرة ، مفردا ، منصوبا ، نحو قولك : عشرون رجلا عندي ، وثلاثون درهما. تنصبه على التمييز ، لأن النون في (عشرين) تشبه النون في قولك : الضاربون. فكما تقول : هؤلاء الضاربون زيدا ، بنصب (زيد) بعد النون ، لأنه مفعول. فكذلك قولك : عشرون رجلا ، منصوب على التمييز ، لوقوعه بعد النون.
فأما ما لا نون فيه ، وهو : أحد عشر إلى تسعة عشر ، فإن الاسم أيضا منصوب. لأن قولك : أحد عشر ، في تقدير : أحد ، وعشرة ، فهو في تقدير التنوين ، فكما تنصب : هذا ضارب زيدا ، لأنه مفعول بعد التنوين ، فكذا ، هاهنا ، لما كان الاسم ، في تقدير التنوين ، نصب على التشبيه بالمفعول به بعد التنوين. وهذا الاسم المنصوب ، بعد هذه الأعداد ، يكون مفردا ، ولا يكون جمعا. تقول : عشرون درهما ، ولا تقول : عشرون دراهم. لأن قولك : عشرون ، قد بيّن لك ما أردت من الجمع.
فجاز أن يكون المفرد بعده دالّا ، على الجمع. فالمنصوب على التمييز ، هاهنا ، مفرد ، لا يجوز فيه الجمع.
فأما قولهم : هو خير منك عملا ، وأفره منك عبدا ، فإن انتصاب الاسم ، هناك ، على التمييز أيضا. ويجوز فيه المفرد ، والمجموع. تقول : هو خير منك عملا وأعمالا.
وهو أفره منك عبدا ، وعبيدا. قال الله تعالى : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً) (١٠٢) ، فجمع.
والفرق بين هذا وبين العدد ، هو أنك إذا قلت : هو أفره منك ، لا يفهم من هذا اللفظ إلا المفرد.
بخلاف (عشرين). فإن (عشرين) دال على الجمع. فلما كان كذلك ، قلت : هو أفره منك عبيدا ، إذا كان له عبيد ، إذ لا يفهم من (أفره) إلا مفرد. وإذا قلت : هو أفره منك عبدا ، دل على المفرد حقيقة ، وعلى الجمع ، لوضع المفرد موضع الجمع ، مجازا ، لا حقيقة. كما تقول : هو أول [٧٧ / أ] رجل. وقال الله تعالى : (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ ،) يعني : الكافرين. فهذا مجاز هذا الكلام.
ومن المنصوب على التمييز : المقادير. نحو : ما في السماء قدر راحة سحابا ، وقفيزان برا ، ورطلان سمنا. فالمنصوب على التمييز ، هناك لوقوعه بعد النون ، كما كان في (عشرين). وإذا أضفت الاسم إلى اسم ، ثم جئت بعده باسم آخر ، نصبته على التمييز. كقولك : على التمرة مثلها
__________________
(١) البيت من الوافر ، لابن أحمر ، في ديوانه : ١٥٩ ، واللسان (قسا) ١٥ / ١٨٢ ، والتاج (قسا) ١ / ٣٧٤.