[أقول] : تصحيح هذا الكلام : أنّ (من) لو كان في صلة (يكلم) وكان (يرسل) عطفا على (وحي) لكان فصلا بين الصلة والموصول. وقوله : لم يجز أن تحمل الجار الذي هو (من) في قوله : (مِنْ وَراءِ حِجابٍ) على (يرسل) هو سهو. وإنما هو على (يكلم). هكذا وقع في جميع النسخ ، وهذا إصلاحه. ثم قال قبل هذا الكلام ، في قوله : (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ)(١) : إنّ انتصاب : (بادي الرأي) ، إنما هو بقوله : (اتّبعك) ، وإن كان قبل (إلا). فجاز أن يعمل فيما بعده. قال : لأن (بادي الرأي) ظرف. والظرف يكتفى فيه برائحة الفعل. فسبحان الله!. أليس قوله : (أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) :) [ظرفا](٢) أيضا؟. فما بال : (بادي الرأي) يعمل فيه : (أتبعك) قبل (إلا) ولا يعمل في قوله : (أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) ، قوله : (أن يكلّم)؟! أليسا ظرفين؟! فلم جاز هناك ، ولم يجز هاهنا؟!. وإن كان كلامك على الامتناع ، فلم تحمل (بادي الرأي) على المصدر ، دون الظرف ، ولا تعمل فيه (اتبعك) لتتخلص من إعمال ما قبل (إلا) فيما بعد (إلا) ولم يكن في كلامك نقض؟!. [٨٣ / ب].
فهبك استقر كلامك على ما ذكرته في التذكرة ، ففهمنا بذلك أن الذي وقع في الحجة ، تخليط ، فلم ناقضت في هذا؟!. فذكرت في (عسق) ، خلاف ما ذكرت في : (هود). وعلى الجملة ، فقد عفا الله عنك ، إذ لولاك لما فهم كتاب سيبويه ، ولا مشكلاته. وإذا كان كذلك ، فبك نأخذ عليك.
[قال أبو الفتح] : وأما (غير) فإعرابها في نفسها ، إعراب الاسم الواقع بعد (إلا). وما بعدها مجرور بإضافتها إليه. تقول : قام القوم غير زيد. كما تقول : إلا زيدا. و : ما قام أحد غير زيد ، كما تقول : إلا زيد.
[قلت] : الأصل في (غير) أن يستثنى بها الصفة. والأصل في (إلا) أن يستثنى بها الاسم.
فالأصل أن تقول : جاءني زيد غير الظريف. وأن تقول : جاءني القوم إلا زيدا. ثم توسعوا في الكلام ، فاستثنوا الاسم ب (غير) واستثنوا الوصف ب (إلا). فقالوا : قام القوم غير زيد. وقالوا : جاءني زيد إلا الظريف ، توسعا في الكلام ، وتفننا. فقولهم : جاءني زيد إلا الظريف. الظريف : مرفوع ، لأنه صفة لزيد. وقد جاء ذلك في كتاب الله ، عز ، وجل : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا)(٣). فالتقدير فيه : لو كان فيهما آلهة منفردة ، غير الله. لا بد من هذا التقدير ، لأنه ، لا يخلو : إما أن يكون (إلا) مع الاسم ، وصفا ك (غير) أو يكون قوله : (إلا الله) : بدلا. مثله في قولهم ما قام القوم إلا زيد. فلا يجوز أن يكون قوله (الله) : بدلا من : (من آلهة) لأنك ، إذا قلت : ما قام القوم إلا زيد ، فتبدل (زيدا) مما قبله ، كان معناه : قام زيد. لأن التقدير في قولك : ما قام القوم إلا زيد : ما قام إلا زيد. ومعنى : ما قام إلا زيد : قام زيد. فكذا ، هاهنا. لو كان بدلا ، كان
__________________
(١) ١١ : سورة هود ٢٧.
(٢) في الأصل : ظرف. والصواب : نصبه ، لأنه خبر ليس.
(٣) ٢١ : سورة الأنبياء ٢٢.