د ـ التعليل : لا يكاد ابن برهان يخرج عن العلل البصرية المعروفة لدى النحويين ؛ إذ كان يؤمن بأن (الأصل) لا وجه لتعليله ، وإنما يعلل الاستحسان (١) ؛ معللا ذلك بأن الأصول لا يتسلط على وضع ما جاءت عليه سؤال ، إذ ذلك ـ كما قال هو نفسه ـ بمنزلة من قال : كيف كانت صلاة الفجر ركعتين ، والمغرب ثلاثا ، والعشاء أربعا؟! (٢).
فعلله إذن هي العلل التعليمية ، ولا يخرج عنها إلا نادرا ، فيأتي بعلل طريفة كتعليله المقصور ، لم سمي مقصورا ، قال : لأنه حبس عن الإعراب.
ثم أخذ يفسر لنا (القصر) فقال : والقصر : الحبس ، قال الله تعالى (حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ) (٧٣) (٣). أي : محبوسات غير متبذلات ، قال كثير :
وأنت التي حببت كل قصيرة إلي |
|
وما تدري بذاك القصائر |
عنيت قصيرات الحجال ، ولم أرد |
|
قصار الخطا ، شرّ النساء البحاتر (٤) |
٣ ـ شرح اللمع المسمى (البيان في شرح اللمع) لأبي البركات عمر بن إبراهيم الحسيني العلوي الكوفي المتوفى سنة (٥٣٩ ه) :
إن شرح أبي البركات العلوي ما يزال مخطوطا ، وهو شرح كبير يقع في (٥٦٠) صفحة ، ويتسم بالمنهج الآتي :
أـ طريقة الشرح : شرح العلوي لمع ابن جني شرحا بالقول ، من أوله إلى آخره ، إذ افتتح كتابه بقوله : (قال أبو الفتح عثمان بن جني ، رحمه الله تعالى : الكلام ثلاثة أضرب ..) ثم أجتزأ هذه العبارة إلى لفظة (قال) فقط ، في مفتتح كل باب ، أو فصل ، أو فقرة ، وقليلا ما يعود فيقول (قال ابن جني) ، وجعل بدء شرحه ، بعد نقل كلام ابن جني ، لفظة (اعلم) ، فهو إذن شرح بالقول من أوله إلى آخره.
اعتمد أبو البركات العلوي في مادته العلمية على النتاج النحوي للعلماء الذين سبقوه في هذا المضمار ، فكان كتاب سيبويه وآراؤه ، وكتاب الإيضاح لأبي علي الفارسي ، وآراء الخليل والأخفش والفراء وأبي سعيد السيرافي ، وغيرهم ، وكذلك آراء الفقهاء كالشافعي ، كان كل أولئك مصادر مادة شرحه ، فينقلها لنا في كتابه ، ومن أمثلة ذلك قوله ناقلا عن سيبويه : (الفعل أمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء ، وبنيت لما مضى ، ولما يكون ولم يقع ، ولما هو كائن لم ينقطع) (٥).
وكما قلت ، كان يعتني بآراء الفقهاء ، فقد أخذ عن الشافعي قوله في معنى (الباء) و (الواو) ، فقال : ((وعند الشافعي ، رضي الله عنه ، ومن وافقه من الفقهاء ، أنها ؛ أي (الباء) للتبعيض ، ويجب
__________________
(١) نفسه ٢٧٣.
(٢) شرح اللمع لابن برهان ٧٣٧.
(٣) ٥٥ : سورة الرحمن ٧٢.
(٤) شرح اللمع لابن برهان ١٦ ، ١٧.
(٥) الكتاب ١ : ١٢ ، وشرح اللمع للعلوي ٦.