٢٣٩ ـ ولست بالأكثر منهم حصى |
|
وإنّما العزّة للكاثر (١) |
فالتقدير : لست منهم بالأكثر. ولا يتعلق (من) ب (الأكثر) لأنه معرف باللام ، فلا يحتاج إلى التخصيص ب (من).
[والرابع] : من وجوه الإضافة التي ليست بمحضة : إضافة الشيء إلى ما يتوهم أنه صفته ، وهو في الحقيقة ، بخلاف ذلك. وذلك قولهم : مسجد الجامع ، وصلاة الأولى ، ودار الآخرة ، وحقّ اليقين ، وحبّ الحصيد. فلا يتوهم أن قولك (مسجد) أضيف إلى (الجامع) ، والجامع ، صفة له ، وأصله : المسجد الجامع. وإنما الجامع : صفة موصوف محذوف. والتقدير : مسجد اليوم الجامع.
وكذلك : صلاة الأولى ، تقديره : صلاة الساعة الأولى. وكذلك : دار الآخرة. أي : الساعة الآخرة.
فالموصوف قد حذف ، في هذه الأشياء ، وإليه وقعت الإضافة ، لا إلى الصفة. لأن الموصوف لا يضاف إلى صفته من حيث إنّ صفته (هو). والشيء لا يضاف إلى نفسه. فبطل قول من ادعى في هذا ذلك.
فأما قولهم : نفسه ، وكلّه [٩٤ / ب] فليس إضافة الشيء إلى نفسه ، وإنما الأول من الثاني بمنزلة الأجنبي. والإضافة بمعنى اللام ، لأنه يصح أن تقول : له نفس ، وله كل. و (كل) محمول على الأجزاء ، والأجزاء تضاف إلى المجزّأ. تقول : هذه أجزاء العشرة. فلما كان (كل) منتظما للاجزاء ، حمل عليها ، واستجيز إضافتها ، كما يستجاز إضافة الأجزاء. فتأمل هذا.
واعلم أنه يضاف أسماء الزمان إلى الأفعال ، والجمل. تقول : هذا يوم قام زيد. وهذا يوم يقوم زيد ، وهذا زمن الحجّاج أمير. فتضيف اسم الزمان إلى الأفعال ، لأن الأفعال تدل على الزمان ، فهو كإضافة بعض إلى كل في قولك : ثوب خز. والإضافة في هذا وقعت إلى نفس الفعل. فإذا قلت : هذا يوم يقوم زيد. فيوم : مضاف إلى هذه الجملة.
والفراء (٢) يدعي أن الإضافة وقعت إلى المصدر ، وإنك ، إذا قلت : هذا يوم يقوم زيد. يجوز في (يقوم) النصب على تقدير (أن). فإذا قلت : هذا يوم يقوم زيد. أي : يوم قيام زيد. وندل على ذلك فيما بعد هذا.
[قال أبو الفتح] : واعلم أن المضاف قد يكتسي كثيرا من أحكام المضاف إليه ، نحو : التعريف ، والتنكير ، والاستفهام ، والعموم ، ومعنى الجزاء ، وغير ذلك. ويأتي ذلك في أماكنه. معنى قوله : وغير ذلك : يعني : البناء ، والتأنيث ، والنفي. وقد ذكر أنه يذكره في أماكنه ، وليس من شرط أماكنه هذا الكتاب ، إذ لم يذكرها فيه. وأنا أفصله لك ، إن شاء الله.
[أما التعريف] فلأنك تقول : هذا غلام ، فيكون نكرة ، ثم تقول : هذا غلام زيد ، فيتعرف
__________________
(١) البيت من السريع ، للأعشى ، في : ديوانه ١٤٣ ، والخصائص ١ : ١٨٥ ، ومقاييس اللغة (كثر) ٥ : ١٦١ ، وابن يعيش ٦ : ١٠٠ ، ١٠٣ ، واللسان (كثر) ٥ : ١٣٢ ، والخزانة ١ : ١٨٥ ، ٢ : ١١ ، ٣ : ٤٠٠ ، ٨ : ٢٥٠ ، ٢٥١ ، ٢٥٣ ، ٢٥٤.
(٢) معاني القرآن ١ : ٣٢٦ ، وليس فيه كما صرح به الشارح ، وإنما قال : " ترفع (اليوم) ب (هذا) ويجوز أن تنصبه ، لأنه مضاف إلى غير اسم".