في الثانية. ومثله : (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ) (٦٦) (١). وصفهم بالكل من هذه الخصال ، على سبيل ترك الأولى إلى الثانية ، وترك الثانية إلى الثالثة. فإذا قال لامرأته : أنت طالق ، واحدة ، لا بل ثنتين ، طلقت ثلاث طلقات. لأن قوله : أنت طالق ، واحدة ، إيقاع. وقوله : بل ثنتين ، رجوع عما أوقع ، فلا يثبت ، لأنه لا يمكن تدارك الطلقات بعد ما أوقعت ، فيقع ثلاث. ولو قال : لفلان عليّ ألف ، لا بل ألفان ، يلزمه ثلاثة آلاف ، في القياس ، لأنه تدارك بعد ما ثبت ، ورفع لما لا يرتفع كالطلاق. وقال في الاستحسان (٢) : إنه يلزمه ألفان. كقوله : له عليّ درهم ، بل ديناران ، وحججت حجة ، بل حجتين. قال : فالعرف في هذا جار بإثبات الأخيرة. لكن بهذا اللفظ. فهذا حكم (بل).
[قال أبو الفتح] : ومعنى (لكن) الاستدراك بعد النفي. تقول : ما قام زيد لكن عمرو. وما رأيت أحدا لكن عمرا. إلا أنها لا تستعمل في العطف إلا بعد النفي. ولو قلت : قام زيد لكن عمرو ، لم يجز. فإن جاءت بعد الواجب ، وجب أن يكون بعدها الجملة. تقول : قام زيد لكن عمرو لم يقم. ومررت بمحمد لكن جعفر لم أمرر به.
[قلت] : هذا من لطائف العربية. وذلك ، لأن (لكن) إذا كانت مشددة ، نصبت الاسم ، ورفعت الخبر. كقولك : لكنّ عمرا قائم. وإذا خففت كانت من حروف العطف بعد النفي ، كما ذكر ، وكان حرفا من حروف الابتداء بعد الإثبات. فأما قوله تعالى : (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (٣٧) لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي)(٣) ، فإن هذا ليس (لكنّ) المشددة ، وإنما هو (لكن) [١٠٧ / أ] مخففة. وأصله : لكن أنا هو الله ربي. فأنا : مبتدأ ، وهو : مبتدأ ثان ، وخبره : الله. وقوله : ربي : صفة لله ، والعائد من الجملة إلى المبتدأ الذي هو (أنا) الياء في ربي. وجاز ذلك ، لأن الصفة كالجزء من الموصوف. فكان العائد من الصفة إلى المبتدأ ، كالعائد من الموصوف. ألا ترى أنه قال في [الكتاب] :
٢٧١ ـ ... |
|
إذا كان يوم ذو كواكب أشنعا (٤) |
إن (أشنعا) منصوب على الحال ، وليس بخبر ، لأن قوله : (يوم) لما وصف ، بقوله : (ذو كواكب) دل على ما في (أشنع) من المعنى. ففي جعل (أشنع) خبرا ، ليست فائدة ، لم تكن في الاسم. فكما أنّ ذكر الوصف ، هاهنا ، حيث صار كالجزء من الموصوف ، أخرج (أشنع) عن الخبر. فهكذا العائد من الصفة ، جوّز للجملة أن تكون خبرا للمبتدأ الذي هو (أنا). فأصل : (لكِنَّا
__________________
(١) ٢٧ : سورة النمل ٦٦.
(٢) أحد كتب محمد بن الحسن الشيباني ، نقل منه السرخسي في كتابه الأصول.
ينظر : تاريخ التراث العربي ـ فؤاد سزكين ٢ : ٧٢.
(٣) ١٨ : سورة الكهف ٣٧ ، ٣٨.
(٤) البيت من الطويل ، لعمرو بن شأس الأسدي ، وصدره :
بني أسد ، هل تعلمون بلاءنا |
|
... |
وهو ، في : شعره ٣٦ ، والكتاب ١ : ٤٧ ، والتحصيل ٧١ ، والخزانة ٨ : ٥٢١.
وبلا نسبة في : المقتضب ٤ : ٩٦ ، وابن يعيش ٧ : ٩٨.