باب النداء
[قال أبو الفتح] : الأسماء المناداة ، على ثلاثة أضرب : مفرد ، ومضاف ، ومشابه للمضاف ، من أجل طوله. فالمفرد على ضربين : معرفة ، ونكرة. والمعرفة أيضا ، على ضربين : أحدهما : ما كان [١١٧ / أ] معرفة قبل النداء ، ثم نودي ، فبقي على تعريفه ، نحو : يا زيد ، ويا عمرو. والثاني : ما كان نكرة ، ثم نودي ، فحدث فيه التعريف بحرف الإشارة ، والقصد (١) ، نحو : يا رجل. وكلاهما مبني على الضم ، كما ترى.
[قلت] : قوله : " فبقي على تعريفه" ، نازعه جماعة ، وقالوا : إذا ثبت أن (يا) حرف تعريف ، ودخل على الاسم ، وجب أن يزيل التعريف الذي كان له ، ويحدث فيه تعريفا آخر ، وهو موجب له. ألا ترى : أن قولك زيد ، معرفة. فإذا ثنيته سلبته التعريف ، وعرفته باللام ، فقلت : الزيدان.
ف (يا) في التعريف ، كاللام.
فكما لا يجتمع تعريف العلمية ، مع التعريف باللام ، فكذا لا يجتمع مع (يا). والدليل على أن (يا) حرف تعريف ، امتناعهم من الجمع بينها وبين اللام ، في نحو : يا الرجل ، ويا الغلام.
وأما بناء هذا النوع من المفرد ، فإن الأصل في المنادى أن يكون منصوبا ، لأنه في الحقيقة مفعول به ، بدليل أن (يا) قائم مقام الفعل ، والفعل مختزل. إذا قلت : يا زيد ، فكأنك قلت : أناديه ، وأدعوه. ألا ترى : أنهم يميلون (يا) والحروف لا تمال ، لكن هذه أميلت ، لقيامها مقام الفعل (٢) ، ولأنك تعدّيه باللام الجارة ، إذا قلت : يا لزيد. وهذا شأن الأفعال. فلما كان الأصل فيه النصب ، وجب نصب المفرد المعرفة ، كما وجب نصب المفرد المنكور ، علمت أنه مفعول ، لكنه بني لوقوعه موقع المبني. ألا ترى : أنك إذا قلت : يا زيد ، كأنك قلت : يا أنت. و (أنت) مبني ، فكذا ما وقع موقعه ، وجب أن يكون مبنيا ، وكان حقه السكون ، لكنه حرك ، لأنه قبل النداء ، كان معربا.
فلما صار إلى حالة البناء ، حرّك ، واختير الضم ، دون الأخريين ، لأن النصب حظه ، إذا كان نكرة ، والكسر ، إذا كان مضافا إلى ياء المتكلم ، نحو : (يا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ)(٣) ، فحرك بالضم ، إعلاما أن هذه الحالة ، غير الحالتين الأخريين. ونظير هذا (قبل) و (بعد) إنما حرّك بالضم ، لأن النصب ، والجر كانا يدخلانه ، وهما معربان ، نحو : من قبلك ، وقبلك فضمّا لما ذكرنا.
[قال أبو الفتح] : وأما النكرة ، فمنصوبة ب (يا) لأنه ناب عن الفعل. ألا ترى : أن معناه : أدعو رجلا ، أنادي رجلا ، وقد ذكرنا [١١٧ / ب] هذا. وجاء معربا منصوبا لأنك ، إذا قلت : يا رجلا ، لم ترد واحدا بعينه. فلا يصح وقوعه موقع (أنت) إنما ناديت واحدا من هذه الأمة. فمن أجابك ، كان المراد ، كقول الأعمى : يا مارا ، خذ بيدي. ثم ذكر أنّ المنادى المبني على الضم ، إذا وصف جاز في وصفه ، وجهان : النصب ، حملا على الموضع. والرفع ، حملا على اللفظ ، كقولك :
__________________
(١) شرح اللمع ـ لابن برهان ١ : ٢٧٩.
(٢) الكتاب ١ : ٢٩١ ، وشرح اللمع ـ لابن برهان ١ : ٢٧٢.
(٣) ٤٠ : سورة غافر ٤١.