فلجريها مجرى الحركة. وهي تثبت في موضع الرفع ، ساكنة ، نحو : هو يقضي ، ويغزو ، ويخشى ، لأن الحركة تستثقل فيها.
فأما في النصب ، فالواو ، والتاء يفتحان ، خاصة ، دون الألف. فيقال : لن يغزو ، ولن يقضي.
ويسكن الألف ، فيقال : لن يخشى. ولا يفتح الألف ، لأن فتحها يوجب قلبها ، أيضا ، لتحركها ، وانفتاح ما قبلها. وقد جاءت هذه [١٢٣ / ا] الحروف ، ثابتة ، أيضا ، في موضع الجزم. [قال الشاعر] :
٢٩٩ ـ ألم يأتيك ، والأنباء تنمي |
|
بما لاقت لبون بني زياد (١) |
وقد قرأ ابن كثير (٢) : (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ)(٣). وقال قوم : من هذا الباب
[قول الشاعر] :
٣٠٠ ـ وتضحك منّي شيخة عبشميّة |
|
كأن لم ترى ، قبلي أسيرا يمانيا (٤) |
وقالوا في قراءة حمزة (٥) : (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى)(٦) :
ولم يقل : ولا (تخش). [وقال الشاعر] :
٣٠١ ـ إن تذنبوا ، ثمّ يأتيني بقيّتكم |
|
فما عليّ ، بذنب عندكم ، فوت (٧) |
ولم يقل : ثم يأتني. قالوا : والوجه في إثبات هذه الحروف في موضع الجزم ، أنه كأنه قدر الحركة ، في الياء ، والألف. فلما أدخل عليه الجازم ، أسقط تلك الحركة في التقدير. وقال قوم : بل أشبعوا الكسرة ، والفتحة ، الواقعتين قبل الألف ، والياء ، فتولدت منهما الألف ، والياء.
وأما إثبات النون ، في موضع الرفع ، في الأفعال الخمسة ، فلأنهم ، لما عجزوا عن استعمال الحركات التي استوفتها الأفعال المسندة إلى الآحاد ، إذا كانت صحيحة ، والحروف ، لما استوفتها الآحاد ، إذا كانت معتلة ، لجؤوا إلى النون ، في موضع الرفع.
فلما صاروا إلى الجزم ، حذفوا النون ، وحملوا النصب على الجزم ، كما حمل النصب على الجر ، في تثنية الأسماء ، وجمعها على ما بينا.
وأما فعل جماعة النسوة ، فإنه مبني ، نحو : يقعدن ، ولن يخرجن ، وإن كانت مضارعة. قال سيبويه (٨) : لأنهم حملوه على الفعل الماضي ، حيث قالوا : قعدن ، وخرجن. فأسكنوا الأخيرة في الماضي ، لأن هذا فعل ، كما أن ذاك فعل ، ولأن هذا مسند إلى ما أسند إليه ذلك ، فلهذا وجه ، كما أن لإعرابه وجها. قال : وكلّ صواب عربيّ.
باب الحروف التي تنصب الفعل
[قال أبو الفتح] : وهي أربعة : أن ، ولن ، وكي ، وإذن .. إلى آخر الباب.
__________________
(١) سبق ذكره رقم (١٢٨).
(٢) ينظر : ص ١٢٧ ، هامش (٨).
(٣) ١٢ : سورة يوسف ٩٠.
(٤) سبق ذكره رقم (٢) ، و (١٢٦).
(٥) ينظر : ص ٩ ، هامش (٣).
(٦) ٢٠ : سورة طه ٧٧.
(٧) البيت من البسيط ، لم أهتد إلى قائله.
(٨) الكتاب ١ : ٢٠.