فأما (أن) فعلى أربعة أقسام :
[الأول] : أن تكون ناصبة للفعل المضارع. وهو مع الفعل ، في تقدير المصدر ، وذلك ، كقولك : أريد أن تقوم ؛ أي : أريد قيامك. قال الله تعالى : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ)(١) ؛ أي : الصوم خير لكم.
[الثاني] : أن تكون مخففة من الثقيلة. [قال الشاعر] : [١٢٣ / ب] :
٣٠٢ ـ ... |
|
أن هالك كلّ من يحفى وينتعل (٢) |
فقوله : أن هالك ، في تقدير : أنه هالك ، فحذف الهاء ، وخففت (أنّ). و (أن) هذه ، إذا دخلت على المضارع ، يفصل بينها ، وبين الفعل بالسين ، أو سوف ، أو حرف من حروف النفي.
قال الله تعالى : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى)(٣). والتقدير : أنه سيكون منكم مرضى. فاسمها مضمر. وهي مخففة من الثقيلة. وقال : (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً)(٤). وقال : (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ)(٥).
[الثالث] : أن تكون بمعنى (أي). قال الله تعالى : (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا)(٦) ؛ أي : امشوا. ولا يراد بالانطلاق ، قطع المسافة ، والمكان ، وإنما يراد به الانطلاق في الكلام ، والذهاب فيه. أي انطلقوا في الكلام ، ولم يقبلوا قول محمد [صلّى الله عليه وسلّم]. ثم قال : أن امشوا ، أي امشوا. يعني : يقول : امشوا. ف (أن) بمعنى : يقول : كأنه ، لما قال : انطلق الملأ منهم ، قال : امشوا ، واصبروا ف (أن) إذا كانت مفسرة ، فسرت جملة بجملة. ومثله قوله : (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ) (١٠٤) (٧) ، كأنه يقول : يا إبراهيم ؛ ف (يا إبراهيم) تفسير : ناديناه.
[الرابع] : أن تكون أن زائدة ، كقوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ)(٨) ؛ أي : لما جاءت. وأن زائدة.
[وأما لن] : فإنه ينصب المضارع ، أيضا ، كقولك : لن يقوم ، وهي : نفي (سيفعل) أو (سوف يفعل). ولا يقتضي التأبيد ، كما يدعي بعضهم (٩). والدليل عليه ، قوله تعالى : (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ)(١٠). ولو كان يقتضي التأبيد ، لما ذكر معه (أبدا) إذ في ذكره دليل عليه. وقال : (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا)(١١) ، فذكر معه (اليوم) وهو ضد التأبيد ، إذ هو بالحال أولى.
__________________
(١) ٢ : سورة البقرة ١٨٤.
(٢) عجز بيت من البسيط ، سبق ذكره رقم (١٢١).
(٣) ٧٣ : سورة المزمل ٢٠.
(٤) ٢٠ : سورة طه ٨٩.
(٥) ٥ : سورة المائدة ٧١ ، وقرأ برفع (تكون) : أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي ، ويعقوب ، وخلف ، واليزيدي ، والأعمش. الكشف ـ للقيسي ١ : ٤١٦ ، والبحر المحيط ٣ : ٥٣٣ ، وإتحاف الفضلاء ٢٠٢.
(٦) ٣٨ : سورة ص ٦.
(٧) ٣٧ : سورة الصافات ١٠٤.
(٨) ١١ : سورة هود ٧٧.
(٩) وهو : الزمخشري. الكشاف ١ : ٤٨ ، وينظر : المغني ١ : ٢٨٤.
(١٠) ٢ : سورة البقرة ٩٥.
(١١) ١٩ : سورة مريم ٢٦.