تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَ)(١) : وجهين :
[الأول] : أن يكون (وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ) جزما ، على تقدير : ولا تلبسوا الحق بالباطل ، ولا تكتموا الحق.
[الثاني] : أن يكون نصبا ، على الصرف (٢) ، على تقدير : ولا تجمع بينهما.
[قال الشاعر] :
٣٠٣ ـ لا تنه عن خلق وتأتي مثله |
|
... (٣) |
أي : لا تجمع بينهما.
وإما (أو) فإنه ينصب الفعل أيضا ، على إضمار (أن) وقد اختلفوا في تقديره : فمن مقدر يقدره : ب (إلّا أن) ومن مقدر يقدره : ب (إلى أن). وذلك قوله تعالى : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ)(٤). فقال قوم ، تقديرها : إلى أن يتوب عليهم. وقال قوم ، تقديره : إلّا أن يتوب عليهم. والوجهان جائزان عربيان ؛ لأنه يصح أن يكون مستثنى ، ويصح أن يكون غاية.
فأما لام الجر : فهي التي تسمى : لام العلة [١٢٥ / ا] ، وهي على ضربين : إما أن يستعمل في الإثبات ، أو يستعمل في النفي. فإذا استعمل في الإثبات ؛ جاز إظهار (أن) بعدها ، وجاز إضمارها.
كقولك : جئتك لتكرمني ، ولأن تكرمني ، فيكون (أن) مع ما بعدها ، في تقدير المصدر ، في موضع الجر باللام. ولا يكون الناصب اللام بتة ؛ لأن اللام من عوامل الأسماء ؛ فلا تعمل في الأفعال. فلا بد من إضمار (أن).
وإما إذا استعمل في النفي ، فلا يجوز إظهار (أن) بعدها بتة ، كقوله تعالى : (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ)(٥). وقال : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ)(٦). وهذا لا يجوز فيه : وما كان الله لأن يعذبهم ؛ لأن هذا نفي (سيفعل) في الإثبات ؛ واللام عوض عن السين. فكما لا يستعمل (أن) بعد السين ؛ فكذا لا يستعمل بعد اللام ؛ لأنه يؤدي إلى الجمع بين العوض ، والمعوّض
__________________
المحيط ٤ : ١٠٢ ، والنشر ٢ : ٢٥٧ ، وإتحاف الفضلاء ٢٠٦ ، وغيث النفع ١١٦.
(١) ٢ : سورة البقرة ٤٢.
(٢) معنى الصرف : أنه صرف عن الأول بإضمار (أن). وهذه عبارة عن الكوفيين ؛ إذ تسمية هذه الواو ب (واو الصرف) اصطلاح كوفي ، كما ذكر ابن هشام عند الكلام عن الواو المفردة. ينظر المغني ٢ : ٣٦١ ، والخزانة ٨ : ٥٧٠ ، والإنصاف (مسألة ٢٨) ٢٣٥.
(٣) البيت من الكامل ، وعجزه :
... |
|
عار عليك ، إذا فعلت ، عظيم |
وهو لأبي الأسود الدؤلي ، في ديوانه ١٦٥ ، وللأخطل في الكتاب ٣ : ٤١ ، ٤. وقد نقلت هذا البيت أغلب كتب النحو ، مع اختلافات كثيرة في النسبة. ينظر : الخزانة ٨ : ٥٦٤ ـ ٥٦٩.
(٤) ٣ : سورة آل عمران ١٢٨.
(٥) ٣ : سورة آل عمران ١٧٩.
(٦) ٨ : سورة الأنفال ٣٣.