فعلان إلا أنهما لمّا تضمنتا معاني ؛ وتلك المعاني لا تستفاد إلا من الحروف ، ولا توجد إلا في الحروف ، منعا التّصرف ، كالحروف ، وهو [١٣١ / ا] دلالتهما على المدح ، والذم ، تشبيها بالحروف ، فمنعا التصرف. واعلم أن فاعليهما لا يكونان إلا اسمين معرفين باللام ، تعريف الجنس.
فنقول : نعم الرجل زيد. فنعم : فعل. والرجل : مرفوع بفعله. وفعله (نعم). والألف ، واللام : لاستغراق الجنس. وفي (زيد) وجهان : فمنهم من قال : إن (زيدا) رفع بالابتداء. والجملة التي قبله ، من فعل ، وفاعل : خبره.
[فإن قلت] : قد ذكرتم أنّ الجملة إذا كانت خبرا عن المبتدأ ؛ فلا بد فيها من ضمير يعود إلى المبتدأ ، وهاهنا ، الجملة خبر المبتدأ ، ولا ضمير فيها ، فأين الضمير؟.
[الجواب] : قلنا : إنّ الجملة ، إنما تحتاج إلى ضمير يعود إلى المبتدأ ، إذا كانت الجملة أجنبية لا تحتمل المبتدأ ، وهاهنا ، الجملة ليست بأجنبية ؛ لأنها تحتمل المبتدأ وغيره. والرجل ، هاهنا ، انتظم (زيدا) وغيره. وإذا كان كذلك ، فلا احتياج بعد ذلك ، إلى ضمير يعود من الجملة إلى المبتدأ.
والثاني : أن يكون (زيد) خبر مبتدأ محذوف ؛ أي : هو زيد ، على ما ذكر في الكتاب (١).
ويكون فاعلاهما مضمرين ، على شريطة التفسير ، معرّفين ، مفسّرين بمنكور بعدهما. فنقول : نعم رجلا زيد. أي : نعم الرجل رجلا زيد. فلما أضمرت المعرّف ، فسرته بقولك : رجلا. والمضاف إلى اللام كاللام ، أي : له حكم الاسم الذي دخله الألف ، واللام. فتقول : نعم غلام الرجل زيد ، وبئس وافد العشيرة بكر. والتقدير : نعم الغلام ، وبئس الوافد. وقوله : نعم رجلا ، رجلا : نصب على التمييز. فإن كان الفاعل مؤنثا ، كنت في إلحاق العلامة ، وتركها مخيرا. فإن شئت قلت : نعم المرأة هند ، وإن شئت قلت : نعمت المرأة هند ، والترك أولى من الإلحاق. قوله تعالى : (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ)(٢) ، فلم يلحق العلامة ، في نعم ، مع أنّ الدار مؤنثة ، هاهنا. فمن ألحق العلامة ، قال : هذا فعل كسائر الأفعال ، ومن لم يلحقها قال : لأنه أراد بقوله : نعم المرأة ، جنس النساء ، والجنس مذكر ، فغلب المذكر على المؤنث ، فقال (نعم) بغير العلامة.
باب حبّذا
(حبذا) ليس له من الأفعال نظير ، من وجهين [١٣١ / ب] :
[الأول] : أنّ أصله : حبب. وحبب : بناء لازم ، مثل : كرم. وفعل ، أبدا ، لا يتعدّى. وقد جاء ، مع كونه لازما ، منه : محبوب. ومحبوب يجيء من المتعدي ، مثل المضروب : من (ضرب) ومقتول من (قتل) هذا هو الظاهر.
وقد تأولوا (محبوبا) فقالوا : هذا ما حذفت منه الزيادات ، كقولهم ، في قوله تعالى : (وَأَرْسَلْنَا
__________________
(١) الكتاب ٢ : ١٧٧. وفيه : (كأنه قال : نعم الرجل ، فقيل له : من هو؟ فقال : عبد الله).
(٢) ١٦ : سورة النحل ٣٠.