لما كان معه نون العماد ، دل ، أنه منصوب. والتقدير : عساني أنازعه. فالياء : اسم (عسى) وهو في موضع النصب. وأنازعه : خبره ، وهو في موضع الرفع.
[فإن قلت] : إنكم قلتم : إنّ خبر المبتدأ ، مشبّه بالفاعل. والفاعل لا يجوز حذفه ، فكذلك خبر المبتدأ المشبّه به ، وجب أن لا يحذف ، وقد حذفتم ، هاهنا.
[الجواب] : قلنا : هو مشبّه بالفاعل ؛ ولكن ، هاهنا ، لما أعمل فيه الحرف ، خرج عن شبهية الفاعل ؛ فجاز حذفه.
واعلم أنك تقول : عسى زيد أن يقوم. ف (زيد) اسم (عسى). وأن يقوم : خبره. [وإن شئت] ، قدم (زيدا) الذي هو الاسم ، هاهنا : فتقول : زيد عسى أن يقوم. وفي التثنية : الزيدان عسيا أن يقوما. وفي الجمع : الزيدون عسوا أن يقوموا. فتظهر الضمير ؛ لأن في (عسى) ضمير زيد ؛ فدخل عليه [١٣٣ / ب] الضمير. وكذلك في المؤنث ، تقول : هند عست أن تقوم. والهندان عستا أن تقوما. والهندات عسين أن يقمن. ويجوز أن تجعل : أن يقوم : اسم (عسى) وإذا جعلت (أن يقوم) اسم (عسى) وأقمته مقامه ؛ فإنه يستغني عن الخبر. لأنّ (أن يقوم) يدل على القيام. فتقول في هذه الصورة : عسى أن يقوم زيد. فإذا قدمت (زيدا) في هذه الحالة ، تقول : زيد عسى أن يقوم ، والزيدان عسى أن يقوما ، والزيدون عسى أن يقوموا. لأن (أن يقوم) هي الفاعلة ، والضمير فيها ، كما ذكر أبو الفتح ، في الكتاب ، والله أعلم.
باب كم
اعلم أن (كم) اسم مفرد ، لعدد مبهم. وهو مبني على السكون. وإنما بني ، لأنه تضمن معنى الحرف الذي هو همزة الاستفهام. فبني ؛ لأن الاسم ، إذا تضمن معنى الحرف يبنى. و (كم) هاهنا ، في الاستفهام ، تضمن معنى همزة الاستفهام. لأنك ، إذا قلت : كم غلاما جاءك ؛ فكأنك قلت : أعشرون أم ثلاثون ، أم عشرة. فلما تضمن ذلك بني. هذا ، إذا كان استفهاما ، فأما إذا كان خبرا ، فإنه يبنى ، أيضا : لأنه ، هناك ، محمول على نقيضه. ونقيضه (ربّ) لأن (كم) للتكثير ، و (ربّ) للتقليل ، و (ربّ) مبني ؛ فكذلك ، أيضا ، ما هو نقيضه ، وجب أن يكون مثلها ؛ لأنه قد جرت ، من عادة العرب ، حمل النقيض على النقيض ، والنظير على النظير. وإذا كان خبرا ، فإنه يكون له صدر الكلام ؛ ك (ربّ) سواءا.
[فإن قلت] : ولم قلتم : إنّ (ربّ) لها صدر الكلام؟.
[الجواب] : لأن (ربّ) للتقليل ، والتقليل كالنفي. وللنفي ، والاستفهام ، صدر الكلام ، اعتناءا بهما. فإذا قلت في الاستفهام : كم غلاما جاءك. فإن (كم) موضعه : رفع بالابتداء. و (غلاما) نصب على التمييز. و (جاءك) رفع ، خبر المبتدأ.
و (كم) مع ما بعده ، بمنزلة : أحد عشر ، إلى تسعة وتسعين. ويكون ما بعدها منصوبا ، كما كان منصوبا في الأعداد.
[فإن قلت] : ولم شبهتموه بالأعداد؟.