وقعت على الظرف ، تكون ظرفا ، وإذا وقعت على المصدر ، فإنها تكون مصدرية. فهاهنا ، نصب على المصدر ، أو الظرف.
والتقدير : كم حلبة ، أو : كم مرة حلبت. والعامل فيه قوله : حلبت ، أو الفعل في جميع المواضع.
واعلم أنّ (كم) تكون فاعلة ، ومفعولة ، ومجرورة. فأما الفاعلة : تقول : كم رجلا جاءك.
ف (كم) [١٣٤ / ب] ، موضعها : رفع بالابتداء. ورجلا : نصب على التمييز. وجاءك : رفع ، خبر الابتداء. وأما المفعولة ، نحو : قولك : كم إنسانا ضربت. فإنّ موضعها نصب ، وهي مفعولة. وأما المجرورة : فتقول : بكم إنسان مررت. ف (كم) مجرورة. والباء : تتعلق ب (مررت) وتقول : بكم ثوبك مصبوغ. فثوبك : رفع بالابتداء. ومصبوغ : خبره. وقولك : ب (كم) يتعلق ب (مصبوغ) والسؤال ، هاهنا ، عن أجرة الصبغ. وبكم ثوبك مصبوغا : ثوبك : رفع بالابتداء. وبكم خبره.
ومصبوغا : نصب ، على الحال ، والسؤال ، هاهنا ، عن ثمن الثوب. فكأنه قال : بكم ثوبك ، في حالة ما هو مصبوغ.
واعلم أنّ (كم) مفرد اللفظ ، مجموع المعنى. فهو ك (من) و (كلّ) ؛ لأن كل واحد منهما مفرد اللفظ ، مجموع المعنى. والدليل عليه ، قوله ، سبحانه : (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً)(١). فقال : شفاعتهم ، فجمعه ، وحمله على المعنى. وكذلك قوله : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) (٤) (٢). فجمعه ، وحمله على المعنى. وأما (من) فقوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ)(٣). فأفرد ما بعده ، وحمله على اللفظ. وكذلك : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ)(٤) ، فجمعه ، وحمله على معناه.
وأما (كلّ) فقوله تعالى : (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ)(٥). فجمعه ، وحمله على المعنى. وقال في موضع آخر : (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) (٩٥) (٦) فأفرده ، وحمله على اللفظ.
واعلم أنّ (كم) إذا كانت استفهامية ، فإنه يفرد ما بعده. فتقول : كم رجلا ، ولا يجوز أن يقال : كم رجالا ، كما في الأعداد ؛ ولأن المقصود ، إنما هو العدد ، والسؤال عن العدد ، وعن الجنس ، وبهذا يحصل. ولفظ النكرة أخف من لفظ المعرفة. والله أعلم.
باب ما ينصرف وما لا ينصرف
اعلم أنّ الأصل في الأسماء : الصرف ؛ وذلك ، لأنها متمكنة. فلتمكنها استحقّت الصرف. فأما إذا عارض التمكن سببان من هذه الأسباب التسعة التي ذكرها ، فيكون كل واحد من السببين فرعا على أصل ، فإنهما [١٣٥ / أ] يمنعان الصرف ، ويزيلان التمكن ، ولكن لا يوجبان البناء. والمقصود
__________________
(١) ٥٣ : سورة النجم ٢٦.
(٢) ٧ : سورة الأعراف ٤.
(٣) ١٠ : سورة يونس ٤٣.
(٤) ١٠ : سورة يونس ٤٢.
(٥) ٢٧ : سورة النمل ٨٧.
(٦) ١٩ : سورة مريم ٩٥.