وأما (آخر) فإنه لا ينصرف. قال الله تعالى : (هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ)(١) وقال [١٣٨ / ب] الله تعالى : (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)(٢). وإنما لم ينصرف ، لأنه صفة ، ولأنه معدول. ووجه عدله ، أنه على وزن (فعل) و (فعل) إذا كان صفة ، كان معه لام التعريف ، نحو : الصّغر ، والكبر ، والفضل.
فلما لم يستعمل اللام مع (أخر) كان معدولا عن الآخر (٣).
[فإن قلت] : فقد ذكرتم أن العدل أن تلفظ ببناء ، وأنت تريد آخر. وأنت ، إذا قلت : مررت بنسوة أخر ، وزعمت أن (أخر) معدول عن (الآخر) لم يصح ، لأنه صفة للنكرة. وإذا كان صفة للنكرة ، لم يرد به (الآخر) لأن النكرة لا توصف بالمعرفة. فما وجه ذلك؟.
[قلت] : إن (أخر) لما كان صفة ، قدّر فيه الألف ، واللام ؛ قياسا على نظائره. ولما كان ما قبله نكرة ، لم يقدر فيه اللام. ويجوز أن يكون الشيء مقدرا ، من وجه ، مطّرحا من آخر ؛ كالباء في : مررت بزيد ، واللام في : لا أبا لك. وما أشبه ذلك. وهذا ما ذكره أبو علي (٤) ، وهو أقرب ما قالوا في منع صرف (أخر). ومع ذلك ، ففيه نظر. لأن ما كان مطّرحا من وجه ، مقدرا من وجه آخر ، إنما يكون فيما هو ملفوظ به. واللام في (الآخر) غير ملفوظ به ، بخلاف : لا أبالك ، ومررت بزيد. ولعل صاحب اللمع ، أراد هذا ، حين قال : إنّ (أخر) لم ينصرف ، لأنه صفة ، ولأنه معدول عن (آخر) من كذا. وذلك ، لأنك ، إذا قلت : مررت بنسوة أخر ، فإنه في المعنى : مررت بنسوة أخر من نسوة غيرهن. ف (آخر) من كذا ، هو : أفعل منه. و (أفعل) إذا ذكرت معها (من) كان في المفرد ، والجمع ، والتأنيث ، على وجه واحد.
فزعم أن (أخر) يراد به : آخر من كذا ، كما تقول : مررت بنسوة أفضل من زيد. أو : مررت بنسوة الفضل. وهذا الذي ذكره ابن جني ، حسن ، وإن لم يسبق إليه. فاعرفه. وإذا كان كذلك ، لم يصح قول من قال في قوله تعالى : (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ)(٥) : إنّ (منهم) هاهنا ، على حد ما في قولهم : الزيدون ، القوم ، أفضل منهم ، ألا ترى أن (أفضل) لم يجمع حين استعملت معها (من).
وفي الآية ، قد جمع (آخرين) فثبت أن (منهم) على غير هذا الحد ، وإنما هو للتبيين.
[والجمع] : اعلم أنه ، إذا انضم إلى الجمع سبب آخر ، من هذه الأسباب ، فإنهما [١٣٩ / ا] يمنعان الصرف. لأن الجمع فرع على الواحد ، كما أن الفعل فرع على الاسم. وحكم الجمع كحكم الآحاد ، ويجري مجراها. فإن كان جمع وله نظير من الآحاد ، على وزنه منصرف ؛ فإن الجمع ، أيضا ، لا ينصرف بكل حال ، ك (رجال) ف (رجال) ككتاب ، ينصرف لانصراف
__________________
(١) ٣ : سورة آل عمران ٧.
(٢) ٢ : سورة البقرة ١٨٤.
(٣) الكتاب ٣ : ٢٢٤ ، وفيه : (قلت فما بال أخر لا ينصرف في معرفة ولا نكرة؟ فقال (أي الخليل) : لأن أخر خالفت أخواتها وأصلها ؛ وإنما هي بمنزلة : الطول ، والوسط ، والكبر ، لا يكنّ صفة إلا وفيهن ألف ولام ، فتوصف بهن المعرفة).
(٤) المقتصد ٢ : ٨٠٩ ، وفيه : (نحو : لا أبا لزيد ، فالأب منصوب ب (لا) واللام مقحمة غير معتد بها من جهة إثبات الألف في (الأب). ومن جهة تهيئة الاسم لعمل (لا) فيه ، معتد بها). وينظر : نفس المصدر ٢ : ٨١٠.
(٥) ٦٢ : سورة الجمعة ٣.