ومنهم من قال : إن العين ، إنما كسرت من عشرين [١٤٣ / ب] ، لأن (عشرين) عقد ثان ، من العشرات. كما أن (الاثنين) عقد ثان من الآحاد. فلما كان أولّ (اثنين) ألف مكسور ، فكذلك ، أيضا (عشرون) الذي هو العقد الثاني ، من العشرات ، شبّه بألف الاثنين ، وكسر. وهما باطلان.
أما الأول : فباطل ب (ثلاثون) و (أربعون) و (خمسون) وغير ذلك. لأن كل عقد منها ، يقع على المذكر ، والمؤنث جميعا ، ثم لا يصار إلى ما ذكره.
وأما القول الثاني : فباطل ، أيضا. لأن ألف (اثنين) ألف وصل ، وهي زائدة. وعين (عشرين) أصلية ، فلا يجوز قياس ما هو الأصلي ، على ما هو الزائد.
بل الصحيح المعتمد عليه ، في (عشرين) أن يقال : إنه اسم ، وضع للأعداد المعلومة ، ليس بجمع عشرة. وهو عقد مستجد لهذه الأعداد. والواو ، والياء لا يدخلان ؛ على أنه : جمع. ألا ترى أنك ، لو سميت رجلا : بقنّسرون (١) ، ويبرون (٢) ، فإنهما يتغيران في حال الرفع ، والنصب ، بالواو ، والياء ؛ ثم لا يدل ذلك على أنه جمع. فكذا ، هاهنا ، وجب أن يكون ، كذلك.
والدليل ، على أنه ليس بجمع ، هو أنه ، لو كان جمعا ، لعشرة ، لكان محمولا على أدنى الجمع ، أو الكثرة. فلا يحمل على أدنى الجمع ، لأن في هذا : القياس يقتضي أن يحمل على أدنى الجمع ، وهاهنا ، يقتضي القياس أن يكون أدنى الجمع (ثلاثون). وأكثر الجمع ، ما يستغرق العشرات ، وهو مئة. فإذا لم يجز حمله ، لا على (ثلاثون) الذي هو أدنى الجمع ، ولا على المئة ، الذي هو أكثر الجمع ؛ علم ، بهذا ، أنه ليس بجمع ، وأنه اسم موضوع لهذا العدد ، ويتضح بمثال. ألا ترى أنه ، لو قال : لفلان عليّ دراهم. فإنه ، يحمل على أدنى العدد. قال ، فيوجب القاضي عليه : ثلاثة دراهم ؛ لأنه : أدنى الجمع.
ومنهم ، من قال : يحمل على أكثر العدد ؛ فيوجب عليه العشرة. فإذا قال : لفلان علي الدراهم ، قال : فإنه يجب عليه أكثر الجمع ، وهو العشرة. وذلك ، لأنه ، لما ذكره بالألف ، واللام ، وهما لاستغراق الجنس ، اقتضى ذلك أن يوجب عليه ، ما يستغرق الدراهم ، ويقع عليه الدراهم.
والدراهم ؛ إنما يقال فيما دون العشرة.
فأما [١٤٤ / أ] فيما فوق العشرة ؛ فإنما يقال (درهم). فيقال : اثنا عشر درهما ، وثلاثة عشر درهما. فعلى هذا ، إذا كان (عشرون) جمع (عشرة) يقتضي أن يكون (عشرون) عشر مرات (عشرة). كما أن العشرة : عشر مرات واحدة ، فيقتضي أن يكون أقلّ جمعه (ثلاثين) وأكثره مئة ، كما قال في العشرة ، والآحاد ، وذلك لأن في الآحاد ، أقلّ الجمع : ثلاثة ، وأكثره : عشرة. فإن
__________________
(١) قنسرون : أو قنسرين : كانت هي وحمص شيئا واحدا ، فتحها أبو عبيدة بن الجراح سنة ١٧ ه. وقيل سميت قنسرين ؛ لأن ميسرة بن مسروق العبسي مرّ عليها فلما نظر إليها قال : ما هذه؟ فسميت له بالرومية. فقال : والله ، لكأنها قن نسر ، فسميت : قنسرين. ينظر : معجم البلدان ٤ : ٤٠٣.
(٢) يبرون ، أو بيرين : اسم لعدة أماكن ، وأشهرها أنها قرية من قرى حلب ، ثم من نواحي عزار ، ينظر معجم البلدان ٥ : ٤٢٧ ، والكتاب ٣ : ٣٧.