[فإن قلت] : يبطل هذا بالتثنية ؛ وذلك لأنه ، لو كان مبنيا ، لكان من الواجب أن يكون في التثنية ، أيضا ، مبنيا ؛ لأن في حالة التثنية ، أيضا ، لا يستقل بنفسه ؛ بل تمامه ، إنما يكون بما بعده ، ومع هذا ، هو معرب ؛ لأنه يختلف. تارة يكون بالألف ، وتارة يكون بالياء. تقول : رأيت (اللّذين) وجاءني (اللّذان).
[الجواب] عن هذا من وجهين اثنين : أحدهما ، وهو أنا نقول : (اللذان) ليس بتثنية (الذي) وإنما (اللذان) صيغة ارتجلت للتثنية (١) ، وهو مبني. هذا ، كما نقول في (هذان) وذلك لأن (هذان) ليس بتثنية (هذا) بل هي : صيغة مرتجلة للتثنية ، فكذلك أيضا ، هاهنا. قال : واختلافه ، تارة بالألف ، وتارة بالياء ، لا يدل على أنه معرب ؛ لأنا رأينا ، في كثير من المواضع أنه يختلف بالياء تارة [١٥٢ / أ] ، وبالألف أخرى. ثم لا يدل ذلك على أن الاختلاف في الأوسط إعراب. هذا ، كما تقول في قوله : جارية وجاراة ، وناصية وناصاة ؛ فإنه يختلف تارة بالياء ، وتارة بالألف. ثم لا يدل ذلك على أن هذا الاختلاف للإعراب. فكذلك أيضا ، هاهنا ، وجب أن يكون بهذه المثابة.
وهذا الجواب ذكره أبو علي.
وقال أبو سعيد السيرافي : إن سلمنا أن (اللذان) تثنية : (الذي) فنقول : يجوز أن يعرب التثنية ، ولا يعرب الواحد. وذلك ، لأنا ، حيث ، بنينا قوله (الذي) إنما بنيناه ، لأنه يشبه الحرف ؛ لما ذكرنا.
وبالتثنية زال عن شبه الحرف ، لأن التثنية لا يدخل الحرف ، فرددناه إلى أصله ، وأعربناه.
[فإن قلت] : يبطل هذا بالجمع. وذلك لأن الجمع ، أيضا ، لا يدخل الحروف ، ومع ذلك قوله (الذين) مبني ؛ فلم بني؟.
[الجواب] : قلنا : من النحويين من قال : يجوز أن يقال (اللذون) (٢) بالواو ، في لغة بعض من العرب. فإن قلنا بهذا ؛ فلا كلام. وإن عملنا بالظاهر ، فنقول : الجمع مشابه للواحد ، بدليل أن الجمع إعرابه يجري على آخره ، كالمفرد ، سواء ؛ بخلاف التثنية. لأنك تقول : هذه دؤور ، وقصور ، فإعرابه جار على آخره ، كما يجري في قوله : هذا دار وقصر ؛ بخلاف التثنية. وذلك لأن إعرابه ، إنما هو بالحروف ، بالياء ، والألف ؛ فجاز أن يعرب التثنية التي لا مشابهة بينها ، وبين الواحد. وأن يبنى الجمع للمشابهة التي بين الجمع ، وبين الواحد ؛ لأن الواحد ، مبني. فكذلك ما يشابهه ، وجب أن يكون مبنيا.
واعلم أنّ (الذي) معرفة. وتعريفه ليس بالألف ، واللام. لأن الألف ، واللام زائدتان ؛ وإنما تعريفه بالصلة. والدليل عليه سائر أخواته (من) و (ما) وغير ذلك. فإن تعريفها بالصلة ، لا بالألف ، واللام. فكذلك أيضا ، تعريف (الذي) بالصلة ، لا بالألف ، واللام ؛ لأنهما زائدتان.
واعلم أن (الذي) إنما جيء بها في الكلام ، توصلا إلى وصف المعارف بالجمل. وذلك لأن
__________________
(١) المقتصد ١ : ١٩١ ، وفيه : (وأما هذان ، فإن النون فيه ليس بمنزلة النون في (رجلان) ؛ وإنما هو صيغة مرتجلة للتثنية).
(٢) الكتاب ٣ : ٤١١.