اللام يؤوّل الكلام فيه ، فيجري في اللفظ ، على وجه التأويل. ألا ترى أنك تقول : مررت بامرأة حسنة الوجه ؛ فتؤنث (الحسن) لجريه على المرأة. والحسن في المعنى للوجه. فكذلك يجري اسم الفاعل على الرجل ، وهو للأبوين. و (بالذي) لا يجوز هذا المعنى.
وهذا يبين لك : أن الألف ، واللام ، في صورة الحرف ، وهو في معنى الاسم ، وليس بخلف عنه. وهذا الفصل ذكره أبو الفتح ، مرموزا ، في قوله : ونظرت إلى القائم أخوه ؛ أي : الذي قام أخوه. وعجبت من الجالسة أخته ؛ أي : من الذي جلست أخته. قال الله تعالى : (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ) [١٥٤ / أ](الظَّالِمِ أَهْلُها)(١) ؛ أي : التي ظلم أهلها. وهذا أصل كبير بين النحويين ، بنى النحويون عليه مسائل جمة. وذلك أنهم يقولون في الجمل ، نحو : زيد منطلق ، وقام زيد : أخبر عن زيد ، وأخبر عن منطلق (بالذي) ونحو ذاك. وأخبر عنه بالألف ، واللام.
ويعنون بهذا الكلام : انزع زيدا من موضعه ، وأقم مقامه ، ضميرا يعود إلى (الذي) واجعل زيدا خبرا عن (الذي) فإذا قلت : زيد منطلق ، وأردت أن تخبر عن زيد (بالذي) قلت : الذي هو منطلق زيد. فتأتي (بالذي) في أول الكلام ، وتضع موضع زيد ، ضميرا يعود إلى (الذي) وتجعل منطلقا خبرا لذلك الضمير. والضمير مع خبره صلة الذي. وزيد : خبر الذي مع صلته.
وإذا قيل لك : أخبر عن : منطلق ؛ قلت : الذي زيد هو منطلق. فتضع موضع منطلق ، ضميرا يعود إلى (الذي). وتجعل منطلقا ، خبرا عن (الذي).
وإذا قيل لك : أخبر عن الضمير في : منطلق ؛ فإنه لا يمكن أن تخبر عنه ؛ لأنك تقول : الذي زيد منطلق هو هو. فيكون هو الأول : إما أن يرجع إلى (زيد) أو إلى (الذي). وإلى أيهما رجع احتيج إلى (هو) أخرى ؛ فلا يجوز. وأما (هو) الثانية ، فهو الخبر ؛ فامتنع من أجل هذا.
وتقول : زيد ضربته. فإن أخبرت عن زيد بالذي ؛ قلت : الذي هو ضربته زيد. فالذي : مبتدأ. وهو : ابتداء. وضربته : خبر هو. والهاء يعود إلى (هو) وزيد : خبر الذي. وهذه الهاء ، أعني الهاء في : ضربته ، كان قبل دخول الذي ، يعود إلى : زيد ، وهو الآن ، يعود إلى (هو). فهذا معنى قول فارسهم : فخيّرت ما في (ضربته) من الضمير. يعني : كان قبل (لزيد) وهو الآن ، (لهو) (٢).
وإنما قلنا : الذي هو ضربته زيد ، ولم نقل : الذي ضربته زيد ؛ لأنك إذا قلت : الذي ضربته زيد ؛ كان قبل الذي ضربت زيدا ؛ فأدخلت (هو) هاهنا ؛ لتفرق بين هذا ، وبين ذاك.
وتقول : ذهب عمرو. فإذا قيل لك : أخبر عن عمرو ، بالألف ، واللام ، قلت : الذاهب عمرو.
فالألف ، واللام : مبتدأ. وذاهب. صلة له. وفيه ضمير يعود إليه. وعمرو : الخبر. وتقول في الذي : الذي ذهب عمرو. فالإخبار بالذي يجوز في [١٥٤ / ب] كلتا الجملتين : الاسمية ، والفعلية.
والإخبار بالألف ، واللام ، يختص بالفعلية. وهذا الباب يشتمل على أربعة عشر وجها :
[الأول] : المبتدأ ، والخبر. وقد ذكرنا.
[الثاني] : الفعل ، والفاعل ، نحو : ذهب عمرو. وقد ذكرنا.
__________________
(١) ٤ : سورة النساء ٧٥.
(٢) المقتصد ١ : ٢٦٤.