باب النّونين
(قال أبو الفتح) : وهما ثقيلة وخفيفة. فالثقيلة أشد توكيدا من الخفيفة والفعل قبلهما مبني على الفتح. وأكثر ما يدخل في القسم. تقول : والله لأقومنّ وبالله لأذهبنّ.
(قلت) : اعلم أن قوله (لأقومنّ) كان في الأصل قبل إدخال النون الثقيلة عليه معربا لأنه وقع بنفسه موقع الاسم فأعرب على ما سبق شرحه والانفصال عنه فلما دخل الحرف عليه الذي هو (النون) بني لإدخال الحرف عليه وإنما بني لأنه لا يفصل بين الفعل وبين هذه النون. ولا يلزم أن يقال : إن سائر الحروف يدخل الأسماء والأفعال ولا يبنيان معها (١٦٠ / أ) فإنا نقول : هناك يفصل بين الحروف وبين ما دخلت عليه نحو : إن زيدا قائم. فإنه يقال : إن في الدار زيدا بخلاف ما نحن فيه فإنه هاهنا لا يفصل بين النون الثقيلة والخفيفة وبين ما دخلتا عليه وبني (الفعل) (١) على الفتح لئلا يشتبه بالجمع لأنه في الجمع مضموم فتقول : والله لتضربنّ وللمرأة : والله لتضربنّ. ففي الجمع مضموم وفي التأنيث مكسور وإنما بني على الضم في الجمع لأن الضمة تدل على أن الواو حذفت فتدل الضمة عليها وإنما حذفت الواو لالتقاء الساكنين ، لأن أصله : لتضربونن فأدغمت النون في النون.
(فإن قلت) : ففي قوله : اضربانّ أيضا كسرت النون تشبيها بالتثاني. التقى ساكنان : الألف والنون الأولى.
(الجواب) : قلنا إنما لم يحذف الألف إذ لو حذفناه لأدى ذلك إلى اشتباه التثنية بالواحد ، فلم نحذفه لأنه إذا حذفت الألف يبقى قوله : اضربنّ فيشتبه بالواحد.
(فإن قلت) : كسرة النون تفرق بين التثنية والواحد فكان من الواجب أن يكتفى بالكسرة عن الألف.
(الجواب) : ليس كذلك ، وذلك لأن الكسرة ، إنما تبقى مع الألف ، فإذا حذف الألف سقطت الكسرة.
كل موضع يدخله النون الثقيلة ، فإنه يدخله النون الخفيفة (٢) ، إلا في موضع واحد وهو : التثنية وذلك لأنه لو دخلته النون الخفيفة ، لالتقى ساكنان فلم يجز إدخال النون على التثنية لالتقاء الساكنين.
وقال يونس (٣) : إنه يدخله النون الخفيفة قال وإن أدى ذلك إلى التقاء الساكنين ، لأنه قد وجد هاهنا حرف مد ولين والمد يقوم مقام الحركة. فإذا كانت المدة قائمة مقام الحركات قال :
__________________
(١) زيادة يقتضيها السياق.
(٢) الكتاب ٣ : ٥٠٨ ، ونصه : (اعلم أن كل شيء دخلته الخفيفة ، فقد تدخله الثقيلة كما أن كل شيء تدخله الثقيلة تدخله الخفيفة).
(٣) الكتاب ٣ : ٥٢٧ ، ونصه : (وأما يونس وناس من النحويين فيقولون : اضربان زيدا ، واضربنان زيدا ، فهذا لم تقله العرب وليس له نظير في كلامها لا يقع بعد الألف ساكن إلا أن يدغم).