والكتاب حاضر قريب فكان من الواجب أن يقول : الم ذاك الكتاب ؛ لأن (ذاك) إشارة إلى الأقرب.
[الجواب] : قلنا : ليس كذلك وذلك لأن أحدهما يقوم مقام الآخر. والدليل عليه ، [قول الشاعر] :
٣٥٨ ـ أقول له ، والرّمح يأطر متنه : |
|
تأمّل ، خفافا ، إنّني أنا ذلكا (١) |
فأشار بذلك إلى نفسه ، وهو قريب. ولمعنى آخر : وهو أن (ذلك) أراد به التورية ، وهو بعيد. والكاف للخطاب. من قولك ذلك ، لا محل له من الإعراب ؛ لأنه لا يخلو : إما أن يكون مرفوعا ، أو منصوبا ، أو مجرورا. ليس من الجائز أن يقال : إنه مرفوع أو منصوب ، لأنه لا ناصب له ، ولا رافع. بقي أن يقال : إنه مجرور وليس كذلك ؛ لأنه لو كان مجرورا بالإضافة إليه ، لكان من الواجب أن يحذف نون التثنية ، عند الإضافة إليه ، ومع ذلك لا تحذف. تقول : كيف ذانك الرجلان ، يا رجل؟ فقال : ذانك. ولو كان مجرورا بإضافة (ذا) إليه ، لكان من الواجب ، أن تسقط النون ، كما تسقط في قولك : غلاما زيد ، عند الإضافة.
وكذلك أيضا لو كان مجرورا ، بالإضافة إليه ، لكان من الواجب أن يجوز توكيده ، فيقال [١٧١ / أ] : ذاك نفسك ، كما تقول : مررت بك نفسك. فلما لم يجز توكيده ، ولم تسقط نونه ؛ علمنا بهذا أنه ليس بمجرور ، ولا محل له من الإعراب. والله أعلم.
باب الإمالة
والإمالة ، هي ما ذكرها ، وهي : أن تنحو بالفتحة ، نحو الكسرة ؛ فتميل الألف نحو الياء ؛ لضرب من تجانس الصوت.
واعلم أن الإمالة تستحسن في الكلام. والأسباب التي تجوز لها الإمالة ستة. وهي ما ذكره من الكسرة ، والياء ، وأن تكون الألف منقلبة عن الياء ، أو بمنزلة المنقلبة عن الياء ، أو لأن الحرف الذي قبل الألف قد ينكسر في حال من الأحوال ، أو إمالة لإمالة.
فالمقصود من الإمالة ، تجانس الصوت. والعمل من وجه واحد ؛ وذلك ؛ لأن النطق بالألف ، والفتحة ، تخالف الكسرة لأنهما ضدان ألا ترى أن السين إذا وقعت في كلمة وبعدها الطاء قلبت السين صادا نحو الصراط : لتجانس الصوت. لأن الطاء من حروف الإطباق ، والصاد كذلك ؛ بخلاف السين لأن السين مهموسة وليست من حروف الإطباق. فكما قلبوها صادا ؛ لتوافق الطاء فكذلك أمالوا ألف عالم ؛ لأجل الكسرة حتى يكون تسفّلا بالكسرة ، بعد التصعد بالألف ، لأن التسفل ، والتّصعّد ضدان فلم يجمعوا بينهما.
وكذلك أمالوا مع الياء في شيبان وغيلان لأن الألف ضد الياء على ما بينا. وكذلك أمالوا قضى وسعى لأن الألف أصله الياء بدليل قضيت وسعيت فأمالوها ليكون العمل من جهة واحدة.
__________________
(١) البيت من الطويل ، لخفاف بن ندبة ، في : ديوانه ٦٥ ، والخصائص : ١٨٦ ، والإنصاف ٢ : ٧٢٠ ، والخزانة ٥ : ٤٣٨ ، ٤٣٩ ، ٤٤٠.