[١ / أ] بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وصلواته على رسوله محمد وآله الطيبين الطاهرين.
[قال أبو الفتح](١) : الكلام كله ، ثلاثة أضرب : اسم ، وفعل ، وحرف جاء لمعنى.
[قلت] : الكلام : رفع بالابتداء. كله : ابتداء ثان. ثلاثة أضرب : خبر (كله) والجملة : خبر الابتداء. ويجوز أن يكون الكلام ، مبتدأ ، وكله تأكيدا ، وثلاثة أضرب ، هو الخبر في الحقيقة ، تقويه قراءة أبي عمرو (٢) : (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ)(٣). ألا ترى أن (كله) مبتدأ ، و (لله) خبره ، والجملة : خبر (إن). فهذا تقوية للوجه الأول. وتقوية الوجه الثاني ، قراءة الجماعة بالنصب لأنه تأكيد الأمر.
فإن قلت : فلم ذكر : الاسم ، والفعل مطلقين ، ولما جاء إلى ذكر الحرف ، قال : وحرف جاء لمعنى ، فقيده بهذا التقييد؟ قلت : إنما أطلق الاسم ، والفعل ، لأن كل واحد منهما يدل على معنيين. ألا ترى أن الاسم في قولك : (جاءني زيد) يدل على كونه فاعلا ، وعلى شخص زيد. وكذلك : (رأيت زيدا) ، يدل : (زيد) على أنه مفعول ، وعلى شخصه. والفعل أيضا يدل على معنيين ، على الحدث ، وعلى الزمان الواقع فيه. ألا ترى أن (ضرب) يدل على الضرب. وعلى الزمان الواقع فيه.
فلما كان الاسم ، والفعل ، كل واحد منهما يدل على معنيين ، والحرف لا يدل إلا على معنى واحد ، خص (٤) الحرف بقوله : (جاء لمعنى) أي : لمعنى واحد بخلاف ما يكون عليه الاسم ، والفعل. مثال ذلك : (هل) فإنه يدل على الاستفهام ، فحسب. و (سوف) يدل على تخليص الاستقبال ، و (اللام) تدل على التعريف. فإن قلت : إن الكلام يتركب من شيئين : فعل ، واسم ، كقولك : قام زيد. واسم ، واسم ، كقولك زيد قائم. فلم قال : ثلاثة أضرب ، وقد أريناك من شيئين؟ قلت : إن في الكلام [١ / ب] مضمرا ، وتقديره : ألفاظ الكلام كله ثلاثة أضرب فحذف
__________________
(١) هو : عثمان بن جني الموصلي ، النحوي ، اللغوي (ت ٣٩٢ ه). كان من حذاق الأدب. صحب أبا علي الفارسي ، واستملى منه ، وأخذ عنه ، وصنف في زمانه ، ووقف أبو علي على تصانيفه واستجادها. له :
(الخصائص) ، و (المنصف) ، و (المحتسب) ، و (سر صناعة الإعراب) ، و (اللمع في العربية). ينظر : نزهة الألباء في طبقات الأدباء ٢٤٤ ـ ٢٤٦ ، وإنباه الرواة على إنباه النحاة ٣٣٥ ـ ٣٤٠.
(٢) هو : زبان بن العلاء ، أبو عمرو التميمي ، المازني ، البصري (ت ١٥٤ ه). ليس في القراء السبعة من أكثر شيوخا منه. سمع أنس بن مالك ، وغيره. وقرأ على : الحسن البصري ، وأبي العالية ، وسعيد بن جبير ، وغيرهم. روى عنه القراءة جماعة ، منهم : يحيى بن المبارك اليزيدي ، ويونس بن حبيب. ينظر : طبقات النحويين واللغويين ٣٥ ـ ٤٠ ، وغاية النهاية في طبقات القراء ١ : ٢٨٨ ـ ٢٩٠.
(٣) ٣ : سورة آل عمران ١٥٤. وقرأ بها يعقوب. السبعة في القراءات ٢١٧ ، وحجة القراءات ١٧٧ ، وتفسير القرطبي ٤ : ٢٤٢.
(٤) الفاعل محذوف يعود على صاحب اللمع ، أي : خص ابن جني.