باب المعرب والمبني
[قال أبو الفتح] :
الكلام في الإعراب ، والبناء (١) على ضربين : معرب ومبني. فالمعرب على ضربين : أحدهما : الاسم المتمكن ، والآخر : الفعل [٣ / ب] المضارع. وما عداهما ، من سائر الكلام ، فمبني غير معرب.
[قلت] : الإعراب : مشتق من قولهم : أعرب الرجل إذا أبان عما في نفسه. وفي الحديث : (الثيب يعرب عنها لسانها) (٢) أي : يبين. فالإعراب : هو البيان ، وذلك ، لأنك إذا قلت : ضرب زيد عمرا ، لو لا الإعراب الذي هو رفع الفاعل ، ونصب المفعول ، لم يتبين الفاعل من المفعول. وكذلك إذا قلت : ما أحسن زيدا ، بنصب (زيد) ، علمت أنه تعجب ، وإذا رفعت ، فقلت : ما أحسن زيد ، علمت أنه نفي للإحسان. وإذا قلت : ما أحسن زيد؟ بالجر ، علمت أنه استفهام. فالإعراب : هو هذا البيان. وقال قوم : الإعراب مشتق من قولهم : عربت معدته ، أي : فسدت (٣). وأعربتها ، أي : أزلت فسادها. فهمزة قولك : أعربت ، على هذا ، همزة سلب (٤) ، كما يقال : أشكيت الرجل ، أي : أزلت شكايته.
وعلى هذا حمل أبو علي قوله تعالى : (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها)(٥) على أنه أسلب عنها خفاءها (٦) ف (أخفيها) مستقبل : أخفيته ، وأخفيت : أي ، سلبت عنها الخفاء ، وإذا سلب الخفاء ظهر. فمعنى : أخفيها : أظهرها بهذا الطريق. يعني : أزيل خفاءها لا أن : أخفي : بمعنى : خفي ، لأن (خفي) بمعنى : أظهر (٧). فالإعراب : سلب الفساد من الكلام ، لأن قولك : ضرب زيد عمرا ،
__________________
(١) كتاب الحدود في النحو للرماني ، المنشور ضمن رسائل في النحو واللغة ٣٨.
(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٢٩٦ ، والمعجم الكبير ـ للطبراني ١٧ : ١٠٢ ، واللفظ في كليهما : (الثيب تعرب عن نفسها ، والبكر رضاها صمتها).
(٣) بفتح السين وضمها ، والفتح أعلى. التاج (فسد) ٨ : ٤٩٦.
(٤) السلب : هو أحد معاني همزة أفعل الداخلة على الفعل الثلاثي ، لتفيد : معنى التعدية ، نحو : أجلسته ، والصيرورة ، نحو : أغد البعير ، أي : صار ذا غدة ، والسلب ، نحو : أشكيته ، أي : أزلت شكايته ، كما قال الشارح. الكتاب ٤ : ٥٥ ـ ٥٩ ، وشرح شافية ابن الحاجب ١ : ٨٣.
(٥) ٢٠ : سورة طه ١٥.
(٦) قال أبو علي : الغرض فيه : أزيل عنها خفاءها ، وهو ما يلف فيه القربة ، ونحوها من كساء ، وما يجري مجراه. قال الشاعر :
لقد علّم الايقاظ أخفية الكرى |
|
تزجّجها من حالك ، فاكتحالها |
أراد أن العيون تستر النوم ، أي : تسلبه. ينظر : مجمع البيان في تفسير القرآن ٧ : ٤.
(٧) ورد الفعل (خفي) في كلام العرب بمعنى : ظهر ، وعليه جاء قول امرئ القيس :
خفاهنّ من أنفاقهنّ كأنما |
|
خفاهنّ ودق من عشيّ مجلّب |
يعني : أن عدو فرسه اخرج الفيران من أجحارها ، كما يخرجها المطر الشديد. وقال أيضا :
فإن تدفنوا الداء لا نخفه |
|
وإن تبعثوا الحرب لا نقعد |
ديوانه ٥٥ ، ٧٧ ، واللسان (خفا) ١٤ : ٢٣٤.