لو لا الرفع في الفاعل ، والنصب في المفعول ، فسد الكلام ، واختلط أحدهما بالآخر. وقال قوم : الإعراب زينة في الكلام. وحسن له. من قولهم : امرأة عروب ، إذا كانت متحببة إلى زوجها (١) ، لحسنها وجمالها ، قال الله تعالى : (عُرُباً أَتْراباً) (٣٧) (٢). فالإعراب هو تزيين الكلام. والكلام إذا زين ، فهم معناه ، وأدرك فحواه. وإذا ثبت هذا ، وتقرر ، فالأصل في الإعراب ، هو الأسماء دون الأفعال والحروف ، وذلك لأن الأسماء هي التي يتصور كونها فاعلة أو مفعولة ، أو مضافا إليها دون الأفعال والحروف. فيجب أن يكون مخصوصا بالأسماء ، إلا أنه لما ضارع هذه الأسماء نوع من الأفعال أعرب لمشابهته إياها [٤ / أ] على ما يأتيك بيانه.
[قال أبو الفتح] : فالاسم المتمكن : ما تغير آخره بتغير العامل في أوله ، ولم يشابه الحرف ، نحو قولك : هذا زيد ، ورأيت زيدا ، ومررت بزيد.
[قلت] : أراك (٣) في هذا الفصل ، أن المعرب له شرطان ، أحدهما : تغير الآخر ، والآخر : تغير العامل. فإذا تغير الآخر ، لا بالعامل لم يكن إعرابا. ألا ترى أنك تقول : ضربت ، وضربا ، وضربوا ، فتغير الباء. ولم يكن إعرابا إذا لم يكن بتغير العامل. وقوله : فالاسم المتمكن ما لم يشابه الحرف.
يعني أن الأصل في الأسماء الإعراب ، فما بني منها ، فلأنه يشابه الحرف. وحقيقة هذا الكلام : أن الأسماء المبنية منها ، ما بني لتضمنه معنى الحرف ، نحو : من ، إذا كان بمعنى الاستفهام ، أو بمعنى الشرط ، كقولك : من في الدار؟ فمعناه : أزيد في الدار ، أم عمرو؟ وإنما بني : من : لتضمنه معنى الهمزة. وكذلك إذا قلت : من يأتنا نكرمه ، إنما بنيت ، لتضمنها معنى (إن) ومنها ما بني لمشابهته الحرف ، وذلك نحو (من) إذا كانت موصولة ، كقولك : من في الدار أكرمته. ف (من) هاهنا ، مبنية لاحتياجها إلى الصلة ، والصلة بعض الموصول. ف (من) كأنه بعض الاسم : وبعض الاسم ، لا يستحق الإعراب ، فهو بمنزلة الحروف التي هي أداة. فكل ما لم يتضمن معنى الحروف ، ولا يشبهه من الأسماء. فهو معرب ، كما ذكر من قوله : (زيد ، وزيدا ، وزيد).
[قال أبو الفتح] : والفعل المضارع : ما كان في أوله إحدى الزوائد الأربع ... إلى آخر الفصل (٤).
[قلت] : إنما سمي هذا الفعل ، مضارعا ، لأنه يشبه الاسم ، من ثلاثة أوجه :
الأول : أنك إذا قلت : زيد يضرب ، يصلح : للحال والاستقبال ، فإذا أردت تخصيصه بالاستقبال ، قلت : سيضرب ، وسوف يضرب. كما أنك إذا قلت : جاءني رجل ، صلح (٥) (رجل) لكل من كان من جنسه. فإذا أردت تخصيصه ، قلت : هذا الرجل. فلم يتناول إلا مفردا معينا ،
__________________
(١) التاج (عرب) ٣ : ٣٣٨.
(٢) ٦٥ : سورة الواقعة ٣٧.
(٣) الهمزة في (أراك) للتعدية. وليست همزة المتكلم ، أي : أراك ابن جني ... اللمع في العربية ٥٦.
(٤) وتمامه ، وهي : الهمزة ، والنون ، والتاء ، والباء.
(٥) بفتح اللام ، وضمها ، والفتح أعلى. التاج (صلح) ٦ : ٥٤٨.