مفتوحا ، فاطلب العلة.
[قلت] : فالضم : قبل ، وبعد ، وحيث. [فإن قلت] : لم بني : حيث ، وقبل ، وبعد؟ ولم حرك؟ ولم اختير الضم؟
[الجواب] : أن هذه الكلمات الثلاث أسماء ، وحقها الإعراب ، لكنها [٦ / أ] أشبهت الحروف ، فوجب لها البناء. وذلك ، لأن (قبل) و (بعد) أصلها الإضافة. تقول : جئت من قبل كل شيء ، ومن بعده ، وقبل كل شيء وبعده. فإذا لم يكونا مضافين ، وكان ما أضيفا إليه منويا فيهما ، ولم يكن في اللفظ ، لم يكونا تامين ، إذ هما كأنهما بعضا الاسم ، وبعض الاسم ، لا يستحق الإعراب. ألا ترى أن (الزاي) من (زيد) لا يستحق الإعراب ، فلهذا وجب ل (قبل) و (بعد) البناء.
وإنما بنيا على الحركة ، دون السكون ، لأنهما لو بنيا على السكون التقى ساكنان ، وهم مما لا يجمعون بينهما ، فوجب البناء على الحركة. ولم تكن تلك الحركة الكسر ، ولا النصب ، لأن الجر والنصب يدخلانهما ، وهما معربان. تقول : جئت من قبلك ، وقبلك ، ومن بعدك ، وبعدك. ولم يكن الضم يدخله معربا ، فلما جاء إلى البناء ، بني على حركة لم تكن لهما حالة الإعراب.
وأما (حيث) فمبني أيضا ، وهو اسم ، وحقه الإعراب ، لكن البناء ، إنما جاء ، لأنه يشبه : (قبل) و (بعد) ، وذلك لأن (حيث) يجب أن يكون مضافا ، فلما لم يكن مضافا ، وكان مرادا فيه ، كان بعض الاسم ، فاستحق البناء. وما يقع بعد (حيث) من الجمل ، فإن (حيث) مضاف إليه ، ولكن الإضافة إلى الجمل كلا إضافة ، لأن هذه الإضافة لا تفيد تخصيصا ، ولا إيضاحا. ولا يجوز بتة : إضافة (حيث) إلى المفرد ، لأن الإضافة إلى المفرد ، توجب إعرابه ، و (حيث) مبني غير معرب. قال الله تعالى : (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ)(١). فلم يعمل فيه (من) وقد جاء مضافا إلى المفرد ، وهو معرب ، وذلك في أشعار الهذليين ، قال الشاعر :
٤ ـ وإنّك لو أبصرت مصرع خالد |
|
بحيث السّتار بين أظلم فالحزم (٢) |
في من روى (الستار) بالجر.
وقول الآخر :
٥ ـ أما ترى حيث سهيل طالعا (٣)
ولم يبن (حيث) (٤) على السكون ، لالتقاء الساكنين ، وبني على الحركة والحركة الضم في أكثر اللغات ، تشبيها ب (قبل) و (بعد). وقد جاء فيه الفتح ، والكسر جميعا. فالفتح تشبيها ب (أين)
__________________
(١) ٧ : سورة الأعراف ٢٧.
(٢) البيت من الطويل ، لأبي خراش الهذلي ، وجاءت روايته في : ديوان الهذليين ٢ : ١٥٤ ، والخزانة ٥ : ٧٦ :
(بجنب الستار) ، أما الستار ، وأظلم ، والحزم فهي : أسماء جبال ، أو أمكنة في بلاد العرب.
(٣) من الرجز. لم يعرف قائله ، وبعده :
نجما يضيء كالشّهاب ساطعا.
وهو في الخزانة ٧ : ٣ ، ١١.
(٤) الكتاب ٣ : ٢٩٢ ، والمغني : ١ : ١٣١.