ففصل بين اسم (كان) ، وهو (خالد) وبين خبرها الذي هو (سيفا) بقوله (بها أسد إذ كان) ، بمعنى : أن خراسان ، أيام ولاية خالد ، خير منها أيام ولاية أخيه أسد ، وقد وهم ابن جني ؛ إذ زعم أن خالدا هذا هو خالد بن الوليد (١) ، وإنما هو خالد بن عبد الله القسري ، وأسد هو أخوه ، كانا قد وليا العراق وخراسان ، في العصر الأموي سنة (١٠٦ ه وعزلا سنة ١٠٩ ه) (٢). وخالد هذا من ممدوحي الفرزدق.
وكان جامع العلوم ؛ مجلا لعلم النحو ، مولعا به ، مكبرا لفائدته ، إذ وصف النحوي بالشهاب الثاقب ؛ حيث روت العلماء عنه ، أو له ثلاثة أبيات ، يحض فيها على تعلم النحو ، وهي :
أحبب النّحو من العلم فقد |
|
يدرك المرء به أعلى الشّرف |
إنما النّحوي ، في مجلسه |
|
كشهاب ثاقب بين السّدف |
يخرج القرآن من فيه كما |
|
تخرج الدّرّة من بين الصّدف (٣) |
وقد أثنى على جامع العلوم معاصروه من العلماء الذين نقلوا عنه ؛ إذ وصفوه بأجمل الوصف وأبلغه ، ومن هؤلاء العلماء الشيخ الطبرسي (ت ٥٤٨ ه) حيث نقل عنه في تفسيره (مجمع البيان) مشيرا إلى مكانته العلمية ، قائلا : ((وقال البصير ، وهو واحد زماننا في هذا الفن)) (٤).
وذكره مرة أخرى ، يصفه ب ((الإمام النحوي البصير)) ، ولا يخفى علينا ما في كلمة (البصير) من التلميح البعيد ، والمعنى الطريف ؛ لأن جامع العلوم ، كان ضريرا ، فوصفه الطبرسي بالبصير ، لا الضرير ، اعترافا بعلميته ، وإعظاما لمنزلته ، ونجده ثالثة ينقل عنه ويصفه ب ((البصير النحوي الملقب بجامع العلوم)) (٥).
هذا ، وقد نقل من ترجم لحياته من العلماء الذين جاؤوا بعده بأنه : ((في النحو والإعراب كعبة ، لها أفاضل العصر سدنة ، وللفضل بعد خفائه أسوة حسنة)) (٦).
وأجد أن أكبر ميزة لجامع العلوم ، تنبئ عن المكانة العلمية التي استحقها في نفوس معاصريه ، ومن بعده هي اعتداده بنفسه ، واطمئنانه إلى ما عنده من بضاعة العلم النفيسة ؛ فلم ينكر أحد استدراكه على أبي علي الفارسي ، وعلى عبد القاهر الجرجاني ، وهما هما في طول الباع بهذا الفن! بل قالوا : ((وهذا الإمام (أي جامع العلوم) استدرك على أبي علي الفسوي ، وعبد القاهر ، وله هذه الرتبة)) (٧).
فعبارة : ((وله هذه الرتبة)) تبين مكانته العلمية ، وتعطيه الحق في الرد والمناقشة والاستدراك ،
__________________
(١) الخصائص ٢ : ٣٩٧.
(٢) البداية والنهاية ٩ : ٢٣٤ ، ٢٥٩.
(٣) معجم الأدباء ١٣ : ١٦٦ ، وإنباه الرواة ٢ : ٢٤٩ ، والبلغة ١٥٥.
(٤) مجمع البيان ٤ : ٤٧١.
(٥) نفسه ١٠ : ٤٠٩.
(٦) معجم الأدباء ١٣ : ١٦٥ ، ونكت الهميان ٢١١ ، وبغية الوعاة ٢ : ١٦٠ ، وروضات الجنات ٥ : ٢٥١.
(٧) معجم الأدباء ١٣ : ١٦٥ ، وبغية الوعاة ٢ : ١٦٠.