أتاه فيها فقعد بحياله فجعل ذو الكفل ينظر إليه ولا يقوم فيها للقائلة فقام فقعد بين يديه فقال : قد أخبرتك (١) أن القوم لا يلتفتون إلى كتابك ، طردوني ولم يجيبوني ، وأخذه بخدعته حتى ذهبت ساعته ، فالتفت فإذا ساعته قد ذهبت ، فقال : يا شيخ منعتني أمس واليوم من القائلة وإنما أنام هذه السويعة قال : شيخ كبير مظلوم ضعيف ، قال : فكتب معه وشدّد عليهم فقال : إنهم لا يلتفتون إلى كتابك قال : وكل ذلك يريد أن يغضبه ـ قال : فكتب معه وتشدد على القوم. قال : فانطلق فمزق الكتاب وخمش وجهه ، ومزق ثيابه ، ثم تحيّن الساعة التي يقوم فيها قام فقعد بين يديه ، قال : فقال : هذا ما لقيت منك ، ضربوني ومزقوا عليّ ثيابي وقد أخبرتك أنهم لا يجيبوك وأخذه بخدعته حتى مضت ساعته ، فالتفت ذو الكفل فإذا ساعته قد ذهبت فقال : أول من أمس وأمس واليوم اللهم إنما أنا بشر لا أستطيع ألّا أغضب قال : فرفع يده فطرف لإبليس ، فساخ (٢) الخبيث فذهب ، فسماه الله ذا الكفل لأنه كفل بشيء فوفى (٣) به (٤).
أخبرنا أبو الحسن بن قبيس ، أنبأ أبو الحسن بن أبي الحديد ، أنبأ جدي أبو بكر ، أنا أبو عبد الله محمّد بن يوسف بن بشر الهروي ، نا محمّد بن إسماعيل بن سالم ، نا عفان ، نا حمّاد.
وأخبرنا أبو البركات الأنماطي ، أنا أحمد بن الحسن بن خيرون ، أنا أبو القاسم بن بشران ، أنبأ أبو علي بن الصّوّاف ، نا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة ، نا أبي ، نا عون ، نا حمّاد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أبي موسى : أن ذا الكفل إنما سمي ذا الكفل أن رجلا كان يصلي كل يوم مائة صلاة فتكفل بها فسمّي ذا الكفل.
أنبأنا أبو القاسم علي بن إبراهيم العلوي ، وأبو الحسن علي بن الحسن الموازيني ، قالا : أنا أبو الحسن بن أبي الحديد ، أنبأ جدي ، أنبأ محمّد بن يوسف بن بشر ، أنبأ محمّد بن حمّاد ، أنا عبد الرزاق ، أنبأ معمر ، عن قتادة في قوله : (وَذَا الْكِفْلِ)(٥) قال : قال أبو موسى الأشعري : لم يكن ذو الكفل نبيا ولكنه يكفل بصلاة
__________________
(١) بالأصل : «اخترتك» وفي م : أجرتك والصواب عن المختصر.
(٢) ساخ الشيء : رسب ، وساخت الأرض بهم : انخسفت (القاموس).
(٣) غير مقروءة بالأصل وفي م : فوافاه والمثبت عن المختصر.
(٤) انظر قصص الأنبياء لابن كثير ١ / ٢٧٧ والبداية والنهاية ١ / ٢٦٠.
(٥) من الآية ٨٦ من سورة الأنبياء.