لأن النبى صلىاللهعليهوسلم أخبر أن رد الكعبة إلى قواعد إبراهيم عليهالسلام مصلحة ولكن يعارضه مفسدة أعظم منه وهى خوف فتنة بعض من أسلم قريبا لما كانوا يرون تغييرها عظيما فتركها النبى صلىاللهعليهوسلم ، ومنها فكر ولى الأمر فى مصالح رعيته واجتناب ما يخاف منه تولد ضرر عليهم فى دين أو دنيا إلا الأمور الشرعية كأخذ الزكاة وإقامة الحد ، ومنها تألف قلوبهم وحسن حياتهم ، وأن لا ينفروا ولا يتعرض لما يخاف تنفيرهم بسببه ما لم يكن فيه ترك أمر شرعى ، انتهى كلام النووى. وقال الإمام ابن هبيرة : فيه أنه يدل على جواز تأخير الصواب لأجل قالة الناس. وقد رأى مالك والشافعى رضى الله عنهما أن تركه أولى لئلا يصير البيت الشريف ملعبة للملوك انتهى. وقول ابن هبيرة : إن التأخير لأجل قالة الناس فيه نظر ، وظاهر الخبر أنه لخشية الردة عليهم بنقض بعض بنائهم الذى يعدونه من أكمل شرفهم ، وقوله : إن مالكا والشافعى رضى الله عنهما رأيا أن ذلك أولى ، يشهد له بالنسبة لمالك قول التقى الفاسى من أئمة المالكية ، وروى أن الخليفة الرشيد وقيل أبوه وقيل جده المنصور أراد أن يغير ما صنعه الحجاج فى الكعبة وأن يردها إلى ما صنع ابن الزبير فنهاه عن ذلك الإمام (١) مالك وقال : أنشدتك الله لا تجعل بيت الله ملعبة للملوك لا يشأ أحد منهم أن يغيره إلا غيره فتذهب أبهته من قلوب الناس ، انتهى بالمعنى. وكان مالكا لحظ فى ذلك كون درء المفاسد أولى من جلب المصالح وهى قاعدة مشهورة معتمدة ، انتهى كلام الفاسى. فتعبيره بأولى مساو لقول ابن هبيرة عن مالك أنه رأى أن ذلك أولى ، فإن قلت استشهاد الفاسى بالقاعدة المذكورة يدل على الوجوب ؛ لأن درء المفاسد يجب تقديمه على جلب المصالح قلت : هذا إيهام لأن المفاسد على قسمين : مظنونة الوقوع فهذه هى التى تجب تقدم رعايتها على جلب المصالح ، ومتوهمة الوقوع وهذه هى التى تكون رعايتها أولى لا واجبة ، وما نحن فيه من هذا الثانى كما هو واضح ، إذ حينئذ تغيير الملوك لها حتى تذهب هيبتها من القلوب مع ما استقر فى النفوس من تعظيمها بعيد جدا فكان متوهما لا مظنونا فصح التعبير فى هذا المقام بأولى ، فتأمله. ويشهد لذلك بالنسبة للشافعى رضى الله عنه قول النووى رحمهالله فى شرح المهذب ، قال القاضى أبو الطيب فى تعليقه فى باب دخول مكة فى آخر مسألة افتتاح الطواف
__________________
(١) انظر أعلام العلماء الأعلام ص ٧١.