البناء ويحتمل أن نفى ذلك أولى ليوافق ، ما مر عن الشافعى رضى الله عنه ويشهد لهم أيضا بل يصرح به قول السبكى : الإجماع انعقد على عدم جواز تغيير الكعبة ، انتهى. وقول الزركشى بعد الحكاية السابقة عن مالك رضى الله عنه والرشيد أو أبيه أو جده : واستحسن الناس هذا من مالك وعملوا فصار كالإجماع على أنه لا يجوز التعرض للكعبة بهدم أو تغيير انتهى ، فإن قلت كيف هذا الإجماع مع وجود ما مر من الخلاف؟ قلت : أما عبارة النووى فهى محتملة فلا دليل فيها ، وأما عبارة السبكى فصريحة فى نقل الإجماع لكن فيها نظر ، وكان هذا هو السبب فى عدول الزركشى عنها إلى قوله فصار كالإجماع إلى آخره ، فافهم أنه ليس فى المسألة إجماع حقيقى وهذا هو الحق ، هذا كله إن حملنا كلام هؤلاء كما هو المتبادر منه على أنه فى الصورة السابقة وهى هدم ما صنعه الحجاج وردها على بناء ابن الزبير رضى الله عنهما ، ويؤيد ذلك أن هذا هو الذى أراده هارون أو أبوه أو جده فمنعه منه مالك رضى الله عنه ، وأما بقية بناء ابن الزبير رضى الله عنهما فلم يتعرض له أحد بعد الحجاج بهدم ولا تغيير ولا أراد أحد فيه ذلك كما قاله التقى الفاسى وغيره كما يأتى حتى يقع فيه خلاف ، وإنما الذى وقع من الملوك من ذلك الزمن وإلى الآن ترميم وإصلاح لنحو السقف والعتبة والميزاب والباب ، على أن من العجب الدال على كرامة ابن الزبير رضى الله عنهما أن جميع الإصلاحات الواقعة فى نحو جدار الكعبة وبابها إنما هى فيما صنعه الحجاج وما قرب منه دون بناء ابن الزبير رضى الله عنهما كما سيأتى مبسوطا ، أما إذا لم تحمله على تلك الصورة الخاصة بل على ما عداها فالإجماع على الامتناع من هدم جدرانها أو تغييره بلا ضرورة أمر حقيقى واقع لا مرية فيه ، وليس ذلك من خصوصيات الكعبة بل هو جار فى كل مسجد ، إذ من البديهى فى سائر المساجد أنه لا يجوز لأحد هدم أبنيتها ولا تغييرها عما هى عليه من غير ضرورة أو حاجة ماسة ، وحينئذ فلا يجوز لأحد حمل اختلاف العلماء على ذلك.
بل يتعين حمله على ما قررنا ، وأوضحناه فتأمله لئلا يزل قدمك ويطغى قلمك ، أعاذنا الله أجمعين من ذلك بمنه وكرمه آمين. ثم رأيت الإمام المحب الطبرى صرح عن مالك رضى الله عنه بما يوافق ما قدمته عن ابن هبيرة وغيره فى فهم كلامه وما ذكرته أن محل كلامه إنما هو فى هدم ما فعله الحجاج لا