غيره وذلك أنه ـ أعنى المحب الطبرى ـ لما أفتى بوجوب هدم ما كان عليه الشاذروان من دون ذراع فى عرضه ووجوب إعادته إلى ذراع احتياطا للطائفين الذين يرون بطلان الطواف عليه استشعر اعتراضا على نفسه من كلام الإمام مالك رضى الله عنه أنه لما حج الخليفة فى زمنه وكان بلغه عنه أنه يريد أن يهدم ما بناه الحجاج من البيت ويرده إلى ما بناه ابن الزبير رضى الله عنهما ، فخرج له من المدينة واعترض له فى طريقه وقال : أنشدك الله يا أمير المؤمنين لا جعلت هذا البيت ملعبة للملوك لا يشأ أحد منهم يهدمه ويبنيه إلا فعل ، فكف الخليفة عن ذلك ، وإنما قال له مالك ذلك وكف الخليفة تعظيما للبيت واحتراما له ، والتعظيم والحرمة ثابتان للجزء كثبوته للكل ، قلنا : إيراد هذه الحكاية فى معرض الاعتراض تشنيع وتهويل وعمى بصيرة عن رؤية الحق وارتكاب هوى متبع وأى جامع بين ما نحن فيه وما فى الحكاية والفرق بينهما من وجهين : الأول : من جهة المعنى فإن القصد فى مسألتنا رعاية مصلحة الطائفين وتصحيح طوافهم وجعل المطاف على صورة يصح الطواف فيه للملاصق للشاذروان وذلك الغاية فى تعظيم حرمة البيت والإعراض عن ذلك هتك لحرمته لما يتطرق به من الخطر الكثير والفساد العويص فناسب وجوب رعاية ذلك تجنبنا للخطر الناشئ بسبب الترك على كل قادر ، وما أنكره الإمام ليس فى تركه خطر ولا إفساد عباده بخلاف مسألتنا لما يترتب عليها من الخطر المذكور ، ولو سئل مالك رضى الله عنه عن مسألتنا لأجاب بمثل جوابنا ؛ لأن مذهبه وجوب حسم الذرائع المفضية إلى المفاسد ومسألتنا تنزع إلى ذلك إلى تقرير الشاذروان على ما هو عليه يؤدى إلى إفساد طواف بعض الطائفين فوجب حسمه بالإزالة الثانى الفرق من جهة الصورة ، وذلك أن هدم البيت أو جانب منه يكثر الابتذال فيه ويعظم الشعث وتقل الهيبة لا سيما إذا كان ناشئا عن هوى متبع ، بخلاف هدم شبر من دكة فى بناء البيت إن احتيج إليه وإلا فالضرورة تندفع بإلصاق بناء إليه يتمم به الذراع ويندفع به المخدور وبين الصورتين بون عظيم ، على أنا نقول : إنما كره مالك رضى الله عنه ما كرهه خشية أن يتكرر هدم البيت لما علم من هدم ابن الزبير رضى الله عنهما وبنائه ثم هدم الحجاج لما زاده ابن الزبير رضى الله عنهما فخشى مالك لو هدمه هذا الخليفة وأعاده على وضع ابن الزبير رضى الله عنهما أن يأتى بعده مما يرى رأى الحجاج ويتكرر ذلك ، فجرى على مقتضى مذهبه فى سد الذرائع ، ولهذا نبه