رضى الله عنه على ذلك بقوله : أخشى أن تبقى ملعبة للملوك ، وإلا فلو علم أنه لا يهدم بعد إعادته على وضع ابن الزبير رضى الله عنهما لما أنكر بل استحسنه وندب إليه وحث عليه ، فرأى أن التعظيم به أنسب وأولى ولم يكن ملعبة بل سنة متبعة وفعلا جميلا فإن سيد المرسلين الممهد لنا شرائع الدين أشار إلى ذلك بما جاء فى الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يا عائشة لو لا أن قومك حديثو عهد بشرك لهدمت الكعبة ، وألزقت بابها بالأرض ، ولجعلت لها بابا شرقيا وبابا غربيا ، وزدت فيه ستة أذرع ، فإن قومك استقصرتها حين بنت الكعبة» ، وفى رواية فى الصحيحين : «فإن بدا لقومك من بعدى أن يبنوه فهلمى لأريك ما تركوا منه» فأراها قريبا فى ستة أذرع ، وفى قوله : «فإن بدا لقومك» تصريح بالإذن فى أن يفعل ذلك بعده عند القدرة عليه والتمكن منه وفى قوله صلىاللهعليهوسلم «لو لا» إلخ حث عليه ودلالة على أن المانع منه حديثهم بالشرك وتنبيه على أنه أى فعل ذلك فى مهمات الدين عند تمكن الإسلام وهذا هو المعنى الذى حث ابن الزبير على هدم الكعبة واستيفاء قواعدها فلم يكن لذلك ملوما ولا عد منتهكا حرمة بل قائما فى ذلك بالحرمة رضى الله عنه ، ومدلول هذا الحديث تصريحا وتلويحا يبيح التغيير فى البيت بالعمارة إذا كان لمصلحة ضرورية أو حاجية أو مستحسنة والله أعلم ، انتهى كلام المحب الطبرى (١). وهو مشتمل على نفائس ، انتهى كلام ابن حجر (٢) فى رسالته نقلناه برمته مع زيادة كلام النووى ، وأقول كلامه هذا كله مفروض فيما يتعلق بجواز تعمد هدم ما بناه الحجاج فذكر فيه خلاف العلماء وأما لو انهدم بناء الحجاج بنفسه كما فى هذه النازلة فهل تجب إعادته على ما فعله ابن الزبير فى جعله على قواعد سيدنا إبراهيم ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وإدخال ما أدخله بن الزبير من الحجر بالسكون ، ويفرق بين تعمد هدمه وبين ما لو انهدم بأن فى الأول ما رآه مالك من تجرىء الملوك عليه وجعله ملعبة لهم فتذهب مهابته من قلوب الناس بخلاف ما لو انهدم بنفسه ، فإنه ليس فيه ذلك لكن يلزم عليه محذور آخر حينئذ وهو الوقوع فى استقبال ما زيد ، وقد ذكر فى الروض وشرحه أنه لو استقبل الحجر بكسر الحاء دون الكعبة لم يجزه ؛ لأن كونه من البيت مظنون لا مقطوع
__________________
(١) انظر القرى ص ٩١
(٢) انظر المناهل العذبة لوحة ٩