من طاف فى الحجر وجعل بينه وبين الكعبة ستة أذرع الشيخ أبو محمد الجوينى وابنه إمام الحرمين والبغوى ، وذكر الرافعى أن هذا المذهب هو الصحيح وقال به اللخمى من أصحابنا المالكية وجزم به الشيخ خليل الجندى فى مختصره الذى صنفه لبيان ما به الفتوى وغيره والله أعلم.
هذا وحكم الصلاة فيما فى الحجر من الكعبة حكم الصلاة فيها لكونه ذلك من الكعبة ، فلا يصح فيه على المشهور من مذهب مالك الفرض ولا النفل المؤكد كالسنن والوتر وركعتى الفجر والطواف الواجب ، ويصح فيه النقل غير المؤكد ويستحب ذلك فيه كبقية الحجر ، ويصح فى بقية الحجر الفرض من غير كراهة ، ومذهب الشافعى وأبى حنيفة جواز جميع الصلوات فى جميع الحجر ، وقد ذكر المحب الطبرى فى كتاب القرى أن من جملة المواضع التى صلى فيها النبى صلىاللهعليهوسلم بالحجر واستدل له بحديث خنق عقبة بن أبى معيط للنبى صلىاللهعليهوسلم فى الحجر كما فى الصحيحين وهو : بينما النبى صلىاللهعليهوسلم يصلى فى حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبى معيط فوضع ثوبه فى عنقه صلىاللهعليهوسلم فخنقه خنقا شديدا ، فأقبل أبو بكر وأخذ بمنكبه ورفعه عنه عليهالسلام وقال : (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ)(١) الآية. وروى الفاكهى بسنده عن على بن أبى طالب رضى الله عنه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لأبى هريرة : يا أبا هريرة إن على باب الحجر لملكا يقول لمن دخل فصلى ركعتين : مغفورا لك ما مضى فاستأنف العمل ، وعلى باب الحجر الآخر ملك منذ خلق الله الدنيا إلى يوم يرفع البيت يقول لمن صلى وخرج : مرحوما إن كنت من أمة محمد صلىاللهعليهوسلم تقيا انتهى.
وأما الجواب عن إقرار النبى صلىاللهعليهوسلم بناء قريش مع إخراجهم الحجر وفتحهم للباب فى جدار الكعبة إلى غير ذلك فتقدم ما يعلم منه الجواب وقد اعتذر صلىاللهعليهوسلم عن ذلك بقوله لعائشة رضى الله عنها : «لو لا قومك حديثوا عهد بشرك لهدمت الكعبة فألزقتها بالأرض ، ولجعلت لها بابا شرقيا وبابا غربيا ، وزدت فيها ستة أذرع من الحجر ، فإن قريشا استقصرتها حين بنت الكعبة» قال النووى وفيه دليل لقواعد منها إذا تعارضت مصلحة ومفسدة وتعذر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة بدئ بالأهم لأن النبى صلىاللهعليهوسلم أخبر أن ردّ الكعبة إلى قواعد إبراهيم عليهالسلام مصلحة ولكن يعارضه مفسدة أعظم منه وهى خوف فتنة بعض من أسلم قريبا لما كانوا يرون تغييرها عظيما فتركها النبى صلىاللهعليهوسلم ، ومنها فكر ولى الأمر
__________________
(١) غافر : آية (٢٨).